سادسًا: آثار الإرجاف ومضاره:
خطر الإرجاف على المجتمع وعلى الأمَّة كبير جدًّا، وسنذكر بعض هذه الأخطار والمضار بإيجاز:
1- الهزيمة النفسية والمعنوية:
والهزيمة النفسية من أخطر أضرار الإرجاف على الأمة؛ لأن الحرب النفسية أعمُّ وأشمل من أي حرب أخرى؛ لأن هدفها ذاتُ الإنسان وعقله، وفكره وعقيدته، والأمة كالفرد في ذلك، والانتصار يبتدئ من العقل والقلب، والنفس والإرادة، والهزيمة كذلك تبتدئ منها.
2- الخوف الشديد:
والخوف الشديد يهزم الإنسانَ قبل أن تبدأ المعركة، فالذي يحرِّك الإنسانَ نفسيتُه، وبالخوف تفقد نفسُه إرادتَها، وتبقى بلا حراك؛ مما يؤدِّي إلى الهزيمة الحقيقية.
3- فقدان الثقة وضعف الثقة بالله:
الإرجاف يؤدي إلى فقدان الثقة، وإذا فقد الإنسان ثقته بنفسه، فلن يصنع نجاحًا، وكذلك إذا فقد ثقته بربِّه؛ قال - تعالى -: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ} [آل عمران: 173، 174].
انظر - يا رعاك الله - ماذا تفعل الثقة بالله!
4- معاونة أهل الباطل في باطلهم:
عندما يجد أهلُ الفساد المساعدةَ والمعاونة، يزدادون نصرةً لباطلهم، ويحثون السعي وراء مآربهم ومصالحهم؛ لذلك نهى القرآن الكريم عن التعاون على الإثم والعدوان، قال - تعالى -: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]؛ لأن المعاونة والتشجيع على الإثم والعدوان، إنما يضر المجتمع ضررًا كبيرًا، ويشيع الفاحشة والفساد في الأمة.
5- زرع اليأس في نفوس المسلمين:
فعندما يجد المسلمون سطوةَ المرجفين، وأبواقهم، وكثرة الفساد والباطل، وانتشاره كانتشار النار في الهشيم - يَنبُت اليأسُ في قلوبهم، ويكثر القنوط في ديارهم، وتخور عزائمهم عن السير في طريق الإصلاح، ويموت الأمل الذي يشجعهم على المسير.
6- قتل الهمم:
وقتل الهمة مصيبة كبرى تُرزَأ بها الأمة؛ مما يؤدي إلى توقُّف العمل الدؤوب لنصرة الحق وأهله، وتوقف العمل نحو تقدُّم المجتمع ورقيِّه.
7- هزيمة الجيوش.
8- سقوط الرموز والعلماء والمصلحين في نظر الجماهير.
9- انتشار الاضطرابات والإشاعات بين الناس.
10- الصد عن سبيل الله.
11- تأخر نصرة الأمة.
سابعًا: علاج الإرجاف وواجب المسلم نحوه:
هذه النقطة هي قلب الموضوع ولبُّه، وكلامنا كله لنصل إليها، توصَّلْنا في بحثنا عن الإرجاف إلى أن المرجِف هو الذي يبحث عن الداء، ولا يبحث له عن دواء؛ بل يضخم العيب وينميه وينفخ فيه، أما المصلح فهو على العكس من المرجف تمامًا، يبحث عن الداء، ثم يبحث له عن دواء وعلاج، وها نحن نسلك سبيل المصلحين بعد تشخيصنا للداء، ونبحث له عن دواء وعلاج، ونذكر أولاً خطوات العلاج بالنسبة للمرجفين وأعوانهم من ناقلي الأراجيف.
ويتلخص العلاج في الخطوات التالية:
1- على المرجفين أن يدركوا خطورة هذا الأمر؛ لما فيه من أذية للمسلمين وجماعتهم، والإرجاف حرام كما يقول القرطبي في تفسيره لآية سورة الأحزاب السالفة الذكر، قال: الإرجاف حرام؛ لأن فيه أذية، فدلَّت الآية على تحريم الإيذاء بالإرجاف.
2- من الواجب عليهم أن يراقبوا الله - عز وجل - في ما يفعلونه بالمسلمين.
3- التوبة من هذا الداء العضال، والإقلاع عنه، وطلب العفو والمغفرة من الله - سبحانه وتعالى.
4- على ناقلي الأراجيف أن يدركوا خطورة هذا الأمر؛ لما فيه من أذية للمسلمين وجماعتهم.
5- التثبُّت من الخبر وتمحيصه قبل إذاعته وإفشائه بين الناس.
6- يجب عليهم أن يدركوا حرمة التعاون على الإثم والعدوان؛ قال - تعالى -: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
أما ما يجب على المسلم نحو الإرجاف، فهو:
1-التثبُّت من الخبر وتمحيصه قبل نقله وإشاعته بين المسلمين، وهو منهج قرآني، فما أجملَ أن يكون الحل قرآنيًّا؛ ليكون من الدواء الناجع، قال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].
2- عدم التشبُّه بالمرجفين والمخذلين والمثبطين من أعداء الإسلام.
3- إدراك خطورة الكلمة؛ لأن الكلمة ربما تُودي بصاحبها إلى النار، وربما تودي بصاحبها إلى الجنة؛ مصداقًا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن العبد لَيتكلَّمُ بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في النار سبعين خريفًا))، أو كما قال.
4- تقوية الرجاء في الله والتوكل عليه.
5- الثقة بالله، وفي موعود الله بالنصر لعباده المؤمنين؛ قال - تعالى -: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21]، وقال - تعالى -: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51].
6- استشعار معيَّة الله واليقين فيه؛ قال - تعالى -: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173].
7- مناصحة المرجفين وناقلي الإرجاف بالحكمة والموعظة الحسنة؛كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الدين النصيحة))، قلنا: لمن؟ قال: ((لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم)).
8- الإيمان بقضاء الله وقدره، والرضا به.
9- نشر المبشِّرات في مقابل الأراجيف؛ لتدوم الثقة في نفوس الجماهير.
10- السعي للإصلاح والتشبُّه بنبي الله صالح؛ {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} [هود: 88].
11- طلب العون من الله؛ قال - تعالى -: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 45].
12- الصبر على البلاء.
والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــ
[1] "القاموس الغني".
[2] "القاموس المحيط"، بتصرف.