عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 8  ]
قديم 2009-04-01, 5:17 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
الأولى: عدم العجلة، ولا يتكلمون إلاّ مع التحقق فإن التزوير كثير.

الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف المنافقين بأعيانهم ويقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله، فإذا ظهر منهم ما يوجب جهادهم جاهدهم". أ.هــ

خامساً: الرفـــــــق
حد علماء اللغة كلمة الرفق ببعض التعريفات منها:
1- لين الجانب.
2- لين الجانب ولطافة الفعل.
3- لين الجانب وهو خلاف الضعف.

وقد بوب له البخاري في صحيحه فقال: "باب الرفق في الأمر كله" مورداً فيه حديث عروة بن الزبير رضي الله عنهما: إن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم، قالت عائشة: ففهمتها فقلت: وعليكم السام واللعنة، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مهلاً يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله"، فقلت: يا رسول الله أولم تسمع ما قالوا؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد قلت وعليكم". فدل الحديث الشريف على محبة الله عز وجل للرفق في التعامل مع الناس حتى الأعداء منهم، والله أعلم.

قال ابن الأثير ـ رحمه الله ـ: الرفق: "لين الجانب وهو خلاف العنف. يقال منه رفق يرفُقُ ويرفق" أ.هـ

وعن عمرة يعني بنت عبدالرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه".

وعن جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من يحرم الرفق يحرم الخير".

لذلك دعا صلى الله عليه وسلم على من اتصف بضد هذه الصفة ممن ولي من أمور المسلمين شيئاً كما دعا لمن تحلى بالرفق منهم، فعن عبدالرحمن بن شُماسة قال: أتيت عائشة أسألها عن شيء فقالت: من أنت؟ فقلت: رجل من أهل مصر فقالت: كيف كان صاحبكم لكم في غزاتكم هذه؟ فقال: ما نقمنا منه شيئاً وإن كان ليموت للرجل منّا البعير فيعطيه البعير والعبد فيعطيه العبد، ويحتاج إلى النفقة فيعطيه النفقة فقالت: أما إنَّه لا يمنعني الذي فعل فيَّ محمد بن أبي بكر، أخي، أن أخبرك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به". وفي هذه الأحاديث دلالة واضحة على فضل الرفق والحث على التخلق به وذم العنف.

روى الخلال عن أبي عبدالله ـ أحمد بن حنبل رحمهم الله ـ أنه سئل عن الأمر بالمعروف والنهي عن النكر كيف ينبغي أن يأمر؟ قال: يأمر بالرفق والخضوع.

وقال سفيان الثوري رحمه الله: "يؤمر بالمعروف في رفق، فإن قَبِلَ منك حمدت الله عز وجل وإلا أقبلت على نفسك".

ولهذا قيل: ليكن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر.

ولقد تخلّق السلف رحمهم الله بهذا الخلق العظيم في احتسابهم قال أحمد ابن حنبل رحمه الله: كان أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه إذا مروا بقوم يرون منهم ما يكرهون يقولون: مهلاً رحمكم الله.

وهكذا فإن المحتسب إذا كانت شيمته الرفق ولين القول وطلاقة الوجه وسهولة الأخلاق عند أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فإن ذلك أبلغ في استمالة القلوب.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن:

هل الرفق يكون دائماً أو في بعض الأحيان دون بعض؟

إن ما ذكر آنفاً.. لا يعني أن الرفق هو الأسلوب الوحيد للاحتساب، أو أنه لا يجوز تركه في بعض الأحيان؛ فإن المرء قد يداوي أحب الناس إليه بالكي أو ببتر عضو من أعضائه فإذا لم ينفع الرفق تحول المحتسب إلى الشدة. وهذا ما نبه إليه إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله بقوله: "والناس يحتاجون إلى مداراة ورفق في الأمر بالمعروف بلا غلظة إلاّ رجلاً مبايناً معلناً بالفسق والردى، فيجب نهيه وإعلانه؛ لأنَّه يقال: ليس لفاسق حرمة، فهذا لا حرمة له".

كذلك في حالة ظهور منكر أو ترك معروف من قبل أشخاص لا يُتوقّع ذلك منهم، لما عُرف من معرفتهم بأمور الدين أو صلاحهم أو رعهم، فيُستخدم معهم أسلوب الشدَّة والتعنيف كي يكون وقع الإنكار في قلوبهم أبلغ وأشد فيبتعدوا عمّا صاروا إليه.

وهذا التأديب أو هذه الشدة تكون في أضيق الحالات ولنوعية محدودة من أصناف المحتسب عليهم، أما أكثر الناس فالأصل معهم استعمال الرفق.

سادساً: الصبر
الصبر في اللغة: الإمساك في ضيق... ويضاده الجزع.

وأصل الصبر: الحبس، وكل من حبس شيئاً فقد صبره.

وهو في الاصطلاح:

كما عرفه ابن القيم رحمه الله: "حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والجوارح عن لطم الخدود وشق الثياب ونحوهما" أ.هـ

"أما حقيقته فهو خُلُق فاضل من أخلاق النفس يُمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يجمل وهو قوّة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها وقوام أمرها".

ولقد ميّز رحمه الله بينه وبين القسوة فقال: "والفرق بين الصبر والقسوة أن الصبر خلق كَسْبي يتخلق به العبد، وهو حبس النفس عن الجزع والهلع ولتشكي، فيحبس النفس عن التسخط واللسان عن الشكوى والجوارح مما لا ينبغي فعله، وهو ثبات القلب على الأحكام القدرية والشرعية، وأما القسوة فيبس في القلب يمنعه من الانفعال، وغلظة تمنعه من التأثر بالنوازل، فلا يتأثر لغلظته وقساوته لا لصبره واحتماله".

قال تعالى: {وأمر بالمعروف وانه عن لمنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور}. فدلّت الآية الكريمة على أهمية اقتران الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالصبر على الأذى في سبيلهما، والله أعلم.

وقال ابن القيم رحمه الله مقرِّباً معنى الآية: "كقوله يا بني افعل المأمور واجتنب المحظور واصبر على المقدور" أ.هـــ

والمعنى: اصبر على ما أصابك من المحن والبلايا، أو فيما أمرت به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنَّ الداعي إلى الحق مُعرَّض لإيصال الأذى إليه.

وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر، ولهذا جمع الله سبحانه بين الصبر والشكر في قوله تعالى: {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: قال غير واحد من السلف: "الصبر نصف الإيمان"

وقال رحمه الله أيضاً: "الإيمان مبني على ركنين: يقين وصبر، وهما الركنان المذكوران في قوله تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}". فدلّت الآية الكريمة على أنهم لما كانوا صابرين على أمره تعالى وترك زواجره وتصدير رسله وأتباعهم فيما جاءوهم به كان منهم أئمة يهدون إلى الحق بأمره ويدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. ولا تأتي الإمامة في الدين والتمكين إلاّ بعد التمحيص والابتلاء، فمن صبر وثبت عند الابتلاء موقناً بنصر الله نال شرف التمكين.

قال الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: "سئل بعضهم أيما الابتلاء أو التمكين؟ فقال: الابتلاء ثم التمكين. وسئل الشافعي رحمه الله: "أيما أفضل للرجل أن يُمكَّن أو يُبتلي؟ فقال: لا يُمكَّن حتى يُبتلى، والله عز وجل ابتلى أولى العزم من رسله، فلما صبروا مكنهم" أ.هـ

وحول ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الإمامة في الدين موروثة عن الصبر واليقين"، ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين" ويحلل ذلك فيقول: "فباليقين يعلم حقيقة الأمر والنهي والثواب والعقاب، وبالصبر يُنفذ ما أمر به ويكف نفسه عما نهى عنه، ولا يحصل له التصديق بالأمر والنهي إنه من عند الله وبالثواب والعقاب إلاّ باليقين، ولا يمكنه الدوام على فعل المأمور وكف النفس عن المحظور إلاّ بالصبر، فصار الصبر نصف الإيمان، والنصف الثاني الشكر بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه" أ.هـ

فلا بد من الابتلاء والإيذاء لمن حمل لواء الحسبة، ولا يظن لمحتسب أنَّ طريقه سيكون مفروشاً بالأزهار والرياحين! بل على النقيض تماماً.. طريقة مفروش بالأشواك ومحاط بالأسلاك فلا يستطيع لمضي فيه إلاّ من أوتي حظاً وافراً من الصبر واليقين؛ لأنَّ المحتسب بأمره ونهيه يخالف أهواء الناس، ومن يخالف أهواءهم يُصوبون سهامهم إليه ويتفننون في إيذائه حتى يحمله ذلك على السآمة أو الفتور، وهنا يتألق الإيمان القوي فيرتفع بهمّة المحتسب إلى الآفاق ويزيد من تثبيته رغم أشواك الطريق، وتبقى حاجته للصبر كحاجة الإنسان للهواء والماء.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والصبر بتناول الصبر على المصائب التي منها أذى المأمور المنهي للآمر الناهي".

فإذا كان صاحب المزرعة والمصنع والتجارة وطلاب الدنيا يصبرون على ما يجدون من مكروهات وتعب ومشقة من ترك الأهل والأولاد والغربة فما بالك بالمحتسب الذي يرجو ما عند الله والدار الآخرة؟ إن له في الأنبياء والرسل وعلى وجه الخصوص محمد صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة.

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".

فلا نصب ولا حزن ولا انتقام للنفس ولا دعاء بالشر، إنَّما دعاء بالخير والمغفرة للمعتدي ورباطة جأش وسكينة.. تلك هي أخلاق النبوة الراقية التي تسمو بالإنسان إلى أعلى مراتب الإنسانية.