عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 7  ]
قديم 2009-04-01, 5:16 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
رابعاً: الأناة والتثبت

الأناة والأنى: الحلم والوقار.

والحِلم: بالكسر الأناة، والتثبت في الأمور وذلك من شعار العقلاء.

والحلم: ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب، وجمعه أحلام.

ولقد وصف الله تعالى إبراهيم ـ عليه السلام ـ بهذه الصفة مادحاً له في قوله تعالى: {إن إبراهيم لحليم أواه منيب}. وقال الله تعالى: {أم تأمرهم أحلامهم} أي عقولهم.

لذلك قال صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة". قال النووي ـ رحمه الله ـ: "وأما الحلم فهو العقل، وأما الأناة فهي التثبت وترك العجلة وهي مقصورة وسبب قول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك له ما جاء في حديث الوفد أنهم لما وصلوا المدينة بادروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأقام الأشج عند رحالهم فجمعها وعقل ناقته ولبس أحسن ثيابه ثم اقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقربه صلى الله عليه وسلم وأجلسه إلى جانبه ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم تبايعون على أنفسكم وقومكم فقال القوم: نعم، فقال الأشج: يا رسول الله إنك لم تزاول الرجل على شيء أشد عليه من دينه، نبايعك على أنفسنا ونرسل من يدعوهم فمن اتبعنا كان منا ومن أبى قاتلناه. قال: صدقت إن فيك خصلتين.. الحديث، قال القاضي عياض رحمه الله: فالأناة تربصه حتى نظر في مصالحه ولم يعجل، والحلم هذا القول الذي قاله الدال على صحة عقله وجودة نظره للعواقب" أ.هـ

ولا يعني التأني في الأمور البلادة والكسل! إنما التفكر والحذر من زلل المستعجل، والرغبة في إصابة العاقل.

ولأن المحتسب بأمره ونهيه يخالف المألوف والشهوات الجامحة لدى أصناف المحتسب عليهم، فإنه غالباً ما يكون مرفوضاً من قبلهم ممقوتاً، مما يدفعهم إلى الإساءة إليه ومعاداته. لذلك يجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون حليماً حتى لا يثور ويغضب عندما يُجابه بشيء لا يرضيه أو لم يتوقعه، فيفسد أكثر مما يصلح، وحتى لا يثأر فيصبح الموضوع انتقاماً للنفس وتشفياً لا إنكاراً لرضى الله سبحانه وتعالى ورغبة في تصحيح الأوضاع. قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عندما سئل عن كيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "إن أسمعوه ما يكره لا يغضب، فيكون يريد ينتصر لنفسه" أ.هـ

فإن من يتصدى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يحمله على عمله ذلك بغض لمن قام بأمره بالمعروف أو نهيه عن المنكر أو الحمية والتشفي، كلا بل يحمله على ذلك أمور حميدة منها المحبة للمسلمين والرغبة في إسداء الخير إليهم، ومنعهم مما يؤول بهم إلى عصيان الله واستحقاق العقوبة على المعاصي. قال تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}. ففي الآية دلالة على تأديب المسلمين بالعفو عن المعتدين والتجاوز عن المسيئين.

أما التثبت فهو كما سبق من مرادفات الأناة، وتثبت في الأمر والرأي، واستثبت: تأنى فيه ولم يعجل. والتثبت صفة لأهل اليقين من المؤمنين وبسبب هذه الصفة التي فيهم يبين الله لهم الآيات والعلامات في الأمم التي مضت، حتى يستخرجوا العبر التي تقيهم ما وقع به غيرهم من غضب الله تعالى.

قال تعالى: {قد بينا الآيات لقوم يوقنون}. ففي الآية الكريمة دلالة على بيان الآيات ووضوحها لأهل اليقين والتثبت. قال الإمام الطبري رحمه الله: "وخصّ الله بذلك القوم الذين يوقنون؛ لأنهم أهل التثبت في الأمور، والطالبون معرفة حقائق الأشياء على يقين وصحة فأخبر جل ثناؤه أنه بيّن لما كانت هذه صفته".

وإذا كانت الأناة والتثبت من الصفات الحميدة فإن ضدها وهي العجلة من أقبح الصفات الذميمة. وقال الإمام ابن القيم رحمه الله محللاً لصفة العجلة: "... فإنها خفة وطيش وحدِّة في العبد تمنعه من التثبت والوقار والحلم، وتوجب وضع الأشياء في غير موضعها، وتجلب عليه أنواعاً من الشرور وتمنعه أنواعاً من الخير وهي قرين الندامة، فقلَّ من استعجل إلاَّ ندم". وذلك تحرزاً من الاندفاع وراء تيار اتهام الناس بالباطل قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}. وقد دلت الآية على أن الله تعالى يأمر بالتثبت في خبر الفاسق ليُحتاط له، لئلا يحكم بقوله فيكون في نفس الأمر كاذباً أو مخطئاً، فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه وقد نهى الله عن إتباع سبيل المفسدين. فالمندفع غير المتثبت يكون عرضة للندم ولات حين مندم.

قال الكسائي وغيره: التبيّن التثبت في الأمر. أوصى أعرابي أولاده فقال: "إياكم والعجلة فإنَّ أبي كان يكنيها أم الندم".

فعلى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن لا يأخذ القول الذي يأتيه عن وجود منكر قولاً مسلَّماً بل عليه بالتحري والتثبت حتى لا يأمر إنساناً بمعروف لم يتركه أو ينهاه عن منكر لم يقترفه. فإن الإنسان تكتنفه نوازع الخير ونوازع الشر وربما فكّر في عمل منكر ولكنه تراجع عنه.

ومما جاء في رسالة الإمام محمد بن عبدالوهاب إلى أحمد بن محمد بن سويلم وثنيان بن سعود: "وهذه مسالة جليلة ينبغي التفطن لها وهي قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} فالواجب عليهم إذا ذُكر لهم عن أحدٍ منكر عدم العجلة، فإذا تحققوه أتوا صاحبه ونصحوه فإن تاب ورجع وإلا أُنكر عليه وتُكلم فيه، فعلى كل حال نبهوهم على مسألتين: