عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 5  ]
قديم 2009-04-01, 5:14 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
ثانياً: العلم والعمل
العلم بعد الإخلاص أهم ما ينبغي على المحتسب أن يتزود به، فهو المصباح الذي يضيء الطريق لحامله فيبصر من خلال ضوئه طريق الخير وطريق الشر، قال تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "أي: وليعلم الذين أوتوا العلم النافع الذي يفرقون به بين الحق والباطل، المؤمنون بالله ورسوله أنَّ ما أوحيناه إليك هو الحق من ربك" أ.هـ

وليس العلم غاية في حد ذاته إنَّما هو وسيلة مثلى للغاية الحقيقية من خلق الإنسان وهي عبادة الله عز وجل، فالعلم يورث الإيمان والإخبات والخضوع كما في الآية السابقة ويورث الخشية كما في قوله تعالى: {إنَّما يخشى الله من عباده العلماء} لذلك وجب طلب ذلك العلم.

قال صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم".

وبعد أن أدركنا أهمية طلب العلم الشرعي بوجه عام ننتقل إلى خصوصة ذلك بالنسبة للمحتسب، وهو ما أكد عليه الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب في بعض رسائله حيث قال في رسالته التي كتبها إلى أحمد بن محمد بن سويلم وثنيان بن سعود: "والإنسان لا يجوز له الإنكار إلاَّ بعد المعرفة، فأول درجات الإنكار معرفتك أن هذا مخالف لأمر الله".

ويتأكد وجوب الطلب لمن يتربص به الخصوم قال الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: "وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة وكتب وحجج كما قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ}، فإذا عرفت ذلك وعرفت أن الطريق إلى الله لا بد له من أعداء قاعدين عليه أهل فصاحة وعلم وحجج كما قال تعالى: {وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ.. الآية} فالواجب عليك أن تعلم من دين الله ما يصير لك سلاحاً تقاتل به هؤلاء الشياطين".

ولما كان احتساب الجاهل يفسد أكثر مما يصلح؛ فقد حذر أهل العلم من الاحتساب بغير علم، كما جاء في رسالة الشيخ محمد بن عبدالوهاب التي أرسلها إلى مطاوعة أهل الدرعية عندما كان في بلد العيينة فقال: "ومتى لم تتبين لكم المسألة لم يحل لكم الإنكار على من أفتى أو عمل حتى يتبين لكم خطؤه، بل الواجب السكوت والتوقف، فإذا تحققتم الخطأ بينتموه".

وقال رحمه الله في رسالته إلى إخوانه من أهل سدير بسبب أمر جرى بين أهل الحوطة من بلدان سدير، والتي قرّر فيها قاعدة أساسية في الاحتساب: "وأهل العلم يقولون الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يحتاج على ثلاث: أن يعرف ما يأمر به، وينهى عنه، ويكون رفيقاً فيما يأمر به وينهى عنه، صابراً على ما جاء من الأذى، وأنتم محتاجون للحرص على فهم هذا والعمل به؛ فإنَّ الخلل إنَّما يدخل على صاحب الدِّين من قلّة العمل بهذا أو قلّة فهمه".

وقد أصّل هذه القاعدة قبله بعض علماء السف رحمهم الله، فعن أبي الربيع قال: "دخلت على سفيان ـ أي الثوري ـ بالبصرة فقلت: يا أبا عبدالله إني أكون مع هؤلاء المحتسبة، فندخل على الحنينين، ونتسلق عليهم الحيطان، قال: أليس لهم أبواب؟ قلت: بلى، ولكن ندخل عليهم كي لا يفروا، فأنكر ذلك إنكاراً شديداً، وعاب فعلنا، فقال رجل: من أدخل هذا؟ قلت: إنَّما دخلت إلى الطبيب أخبره بدائي، فانتفض سفيان وقال: إنَّما هلكنا إذ نحن سقمى فسمونا أطباء، ثم قال: لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر إلاّ من كان فيه ثلاث خصال: رفيق بما يأمر، رفيق بما ينهى، عدل بما يأمر، عدل بما ينهى، عالم بما يأمر، عالم بما ينهى".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فلا بد من هذه الثلاثة: العلم والرفق والصبر، والعلم قبل الأمر والنهي، والرفق معه، والصبر بعده، وإن كان كل من الثلاثة مستصحباً في هذه الأحوال، وهذا كما جاء في الأثر عن بعض السلف ورووه مرفوعاً ذكره القاضي أبو يعلى في المعتمد: "لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلاّ من كان فقيهاً فيما يأمر به، فقيهاً فيما ينهى عنه، رفيقاً فيما يأمر به، رفيقاً فيما ينهى عنه، حليماً فيما ينهى عنه" أ.هـ

ورفعه رحمه الله في موضع آخر قائلاً: "كما جاء في الحديث: "ينبغي لمن أمر بالمعروف، ونهى عن المنكر أن يكون فقيهاً فيما يأمر به، فقيهاً فيما ينهى عنه، رفيقاً فيما يأمر به، رفيقاً فيما ينهى عنه، حليماً فيما يأمر به، حليماً فيما ينهى عنه" فالفقه قبل الأمر ليعرف المعروف وينكر المنكر، والرفق عند الأمر ليسلك أقرب الطرق إلى تحصيل المقصود، والحلم بعد الأمر ليصبر على أذى المأمور المنهي، فإنَّه كثيراً ما يحصل له الأذى بذلك".

واشتراط العلم في المحتسب أمر في غاية الأهمية؛ لأنَّه إن كان جاهلاً بالأمر المحتسب فيه فقد يأمر بما ليس بمعروف، وينهى عما ليس بمنكر فيفسد من حيث أراد الإصلاح، وفي ذلك يقول ابن حزم: "لا يجوز أن يدعو إلى الخير إلاَّ من علِمه ولا يمكن أن يأمر بالمعروف إلاَّ من عرَفه، ولا يقدر على إنكار المنكر إلاَّ من ميّزه".