فكم أبكتني كلمات سمعتها منك ، أو قرأتها لك ،،
ولكني أسألك عن وقع كلماتي في قلبك ؟
قال : ليت هذه الدموع انسابت من أجله هو ، وطلباً لقربه هو ،
وشوقاً إليه هو ، وحياء منه هو ، وخوفا من بعده وسخطه وعذابه ..
لو حدث ذلك ، لكان حالك غير الحال ، ولكنتِ في سماء السماء ،
بدلا من هذا الوحل الذي تتقلبين فيه ، وتتعلقين به ،
بل أجزم أنك يومها ستكونين من أهل الله وخاصته الذين هم خاصة أوليائه ،
وهم المباركون حيثما حلوا ونزلوا وارتحلوا
قومٌ كرامُ السجايا اينما نزلوا ** يبقى المكانُ على آثارهم عطرا
إن الدمعة من أجل الله لتقع من الله بمكان لا يصله غيرها من الأعمال ،
فأفيضي دمعك على أعتابه ومن أجله ،
ولا تجعلي نفسك أضحوكة للشيطان وهو يراكِ تريقين دمعك
في غير محلها مما يعرضك لسخط الله وبعدك عنه ..
دموعك أغلى ما تملكين فأبذليها في المكان الأولى واللائق بها ،
فإذا علم صدقك سيفتح لك ابواب كل شيء ..
وبركات من الأرض ، وسوف تتيسر أمورك من حيث لا تحتسبين ...
قالت : كلما حاولت أن اشدك إلى باب تأتيني من باب ،
وكلما حدثتك عن معنى من معاني قلبي ، تخترع لي معنى آخر يتشقق منه ...!!
قال : أنا لا أخترع شيئا من عندي ، فما كان من خير فهو منه سبحانه ،
فضلا منه ورحمة ومنة .. فله الحمد ..
إنني إنما أفيض لك بما أجده في قلبي صدى لكلماتك ،
وتتوالد المعاني التي تسمعين ، بناءً على المعاني التي اسمع ..!!
قالت : كنتُ أتوقعُ أنك منذ أول مكالمة سيهتز قلبك ،
ويرجفُ فؤادك ، وتعلن عن مشاعرك !!؟
قال : أخطأت الطريق ، وأسأت التقدير ، وتلاعب بك الشيطان ..
لسنا في هذا ، ولا من أهله ، ولا في سبيله ، ولا بصدده..!
إنما قررت أن افتح معك هذا الحوار لعلي أحرك كوامن السماء
في قلبك ، والتي أرى أن ركاماً كثيفاً يغمرها ،
فهي أشبه بالنار تحت الرماد ..
قالت : صدقني أنا جادة ولستُ مغرورة حين أقول :
أنني تخيلتُ أنني سأهز أركان قلبك مع أول كلمات تسمعها مني !!
قال : قلبي قد اهتز قبلك ..!!
ولكن اهتزازهُ لم يكن لصوت أنثى يتكسر ، أو آهة تتحدر ،
أو عبارة تترقرق ، بل اهتز لأنه اتصل بالسماء ،
وفتحت له ابوابها ، وهلت عليه نسائمها وبركاتها ،
ثم رأى كل شيء بعد ذلك لا يستحق الاكتراث به ،
ولا الاهتمام به ، إلا ما كان سببا لمزيد من الاتصال بالسماء ،
ومع عدا ذلك فهو أحقر من أن يلتفت إليه !!! ولله در القائل :
ولاتلتفتْ هاهنا أوهناك ** ولا تتطلعْ لغير السماء
قالت : ما أكثر ما أحلم وأتمنى ..!
كنت أحسب أني سأجدك أمامي كتاباً مفتوحاً ..!
قال : أها .. تقرأين فيه وتُعدّلين وتنقحين على طريقة
بهائم الوسط الفني وصعاليكه ..
ألم أقل لك أنك متخرجة من أسوأ مدرسة على الإطلاق ...!!!
قالت : ولكن ألا تراهم يتمتعون بحياتهم في حياتهم ..!؟
قال : نعم .. ولكن كما قال تعالى :
(... يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّار مثوى لهم )
ويتوب الله على تاب ..
فالأنعام أيضا تتمتع هي الأخرى بحياتها ، وهم يشاركونها هذه المتعة !!!
لكنها على أية حال أفضل منهم ، وهم أسوأ منها ..!!
في المقابل نجد الذين قرروا أن يقبلوا على الله يشاركون الملائكة مباهجهم السماوية !!
فانظري الفرق الهائل بين قوم يشاركون البهائم متعتها ..
وقوم يشاركون الملائكة نعيمهم !!
وهناك فرق هائل أخر ..
بين متعة عارضة طارئة سريعة مؤقتة ،
وبين سعادة قلبية عامرة بأنوار السماء ..! ..
ثم رغم أن متعتهم وقتية وسر يعة وخاطفة ، فهي فوق هذا
متعة ( ظاهرية !! ) أمام الآخرين ليس إلا ..!!
غير أن العذاب الأدنى ينهش حياتهم ، وينكل بأرواحهم ،
انظري إلى حياتهم الأسرية ، وشيوع الطلاق فيهم ماذا يعني ..
وانتهاء حياة أكثرهم بالسجن ، أو المخدرات ، أو الكآبة
وقد يصل الأمر ببعضهم إلى الانتحار ..
أهذه سعادة حقيقية أيتها الذكية !!!
أية سعادة هذه التي تكون عواقبها على هذا النحو الفظيع ..
اين ذهب عقلك ..!؟
إنهم ( يمثلون !! ) نعم يمثلون على أمثالك من السذج !!
مجرد تمثيل ليس غير ، فأفيقي .. !!
قالت : سامحك الله .. كلماتك كأنها الرصاص ،
لكن قد تكون محقاً في كثير مما تقول هنا ..
قال : بل أنا محقٌ والله فيما اقوله لك ، وأؤكد عليه ،
ولكِ أن تتابعي حياة الذين انخلعوا من هذا الوسط العفن ،
واسمعي ما يقولونه ، وتأملي ما يذكرونه من فرق هائل
بين حياتهم قبل الهداية ، وحياتهم بعد الإقبال على الله سبحانه ،
إنهم يؤكدون أن الفرق بين الحي والميت !!
أو كالفرق بين السماء والوحل ..!!
قالت : أما هذه فنعم ، لقد سمعت وقرأت شيئا كثيرا من هذا ،
لكني دعني من هذا كله
.. إنني أرغب أن لا أفوّت على نفسي هذه الفرصة
لأعبر لك عما يجيش في قلبي ما مشاعر ..
قال : سبحان الله ..سبحان الله .. هل بقي في رأسك مسكة عقل ..؟!
أحدثك عن السماء ، وأشدك إليها بقوة ،
وأحبب إليك العروج إليها ، فتتفلتين من بين يدي ،
ولا ترغبين إلا في الوحل .. سبحان الله ..سبحان الله !!
سبحانك هذا بهتان عظيم ..!!!
قالت : قل ما تشاء ، لكني أرجووك فقط اسمعني حتى الآخر..
ولا تعلق بشيء ، وأنا قانعة أن تسمعني فقط .
قال : كلا .. بل سأعلق على كلامك أولاً بأول ،
لأوجه معانيك إلى وجهة أخرى لانتشلها من وحلها ،
وارفعها إلى سمائها ،
لعل إشراقة معنى من المعاني تعمل عملها في قلبك ..
قالت : شأنك وما تريد .. أما الذي يعنينني فهو أن تسمعني ،
كونك تحادثني وتستمع إلي فهذا مكسب كبير بالنسبة لي !!
يكفيني أن أوصل إليك مشاعري ..
مختصر قصتي معك يا سيدي أنني أصبحت مفتونة بك .. !
قال : طيب .. ألم تزعمي أنك جميلة جداً تلتفتين الأنظار ..!؟
قالت : بشهادة الجميع ..!!
قال : أسألك .. من أين اشتريتِ هذا الجمال ؟؟!
أو أخبريني من منحك هذا الجمال كله ،
في الوقت الذي حرم غيرك كثير فلم يصل إلى مستوى جمالك !؟
من وهبك عينيك ، وشفتيك وشعرك ووضاءة وجهك ، وعذوبة لسانك ؟؟!
من مسح على جسدك هذه المسحة الجمالية
التي تتحدثين عنها وتتباهين بها ؟ الخ الخ مما تفاخرين به ،
وترين أنك مميزة عن الآخرين به ، من أين لك كل هذا ؟؟
صممت طويلا ثم قالت : طبعاً من الله . الله هو الذي خلقني على هذه الصورة ..
ومنحني كل هذا .
قال : فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟
هل شكر نعمة الله عندك أن تعصيه بها ،
وأن تسخريها في الطريق الذي يغضبه منك ..؟
ألا تخشين على نفسك ؟
قالت : مماذا ؟ من حسد الناس ..؟!
قال : كلا كلا .. بل أن يسلب الله نعمته هذه منك ..
تنامين الليلة مثلاً فإذا أصبح الصباح ، لا تستطيعين أن تفتحي عينيك ،
لأن الله سلب بصرك وأنت نائمة ، فإذا أنت عمياء !!
أو يبتليك بمرض يجعل شعرك كله يتساقط فلا تبقى في رأسك شعرة ..!
أو تصيبك مصيبة من حيث لا تحتسبين فتشب النار
في المكان الذي أنت فيه ، فإذا جسدك الجميل يُشوى حتى يتفحم ..!!
أو يسلط عليك آفة تجعلك قعيدة بيت ، منبوذة حتى من أقرب الناس إليك ، تنتظرين الموت ولا موت ..!!!
قالت في فزع : أعوذ بالله ... هذه صورة فظيعة .. جسدي يرتعش والله ..
لماذا تقول هذا....؟؟!
قال : لعلي أحرك كوامن قلبك ..
لجأت إلى التخويف لأني رأيت محاولاتي السابقة كأنما بات بالفشل ..
قالت : أرجوك ..وسأظل اكرر أرجوك .. أرجوك أغلق هذا الملف
..اسمعني حتى الآخر ..
قال : بل أنت أرجوك اسمعيني لحظات ..
هل سيبقى لك هذا الجمال حتى آخر العمر .؟
ألن تتجعد ملامحك ، ويشيب رأسك ،
وتضعف عظامك ، ويتقوس ظهرك ؟؟
أليس من الممكن أن تخسري كل هذه الكنوز في لحظة خاطفة
في حادث سير مروع ، يفقدك أطرافك ، أو يشل حركتك كلياً ،
أو غير ذلك من المصائب ؟؟
ماذا ستفعلين إذا هجم عليك الموت الليلة بل في هذه الساعة ؟
فجاءتك سكرات الموت ، تخنقك خنقاً شديداً حتى لا تستطيعين التنفس
إلا بمنتهى الصعوبة ، ثم لا تتمكنين من النطق بالشهادتين ،
فتكون خاتمتك سيئة ، فتلقين الله وهو عليك ساخط ..!؟
ثم يكون في انتظارك قبر مخيف فيه أهوال مرعبة ،
تتمنين معها لو تعودين إلى الدنيا لتستأنفي حياة جديدة مع الله سبحانه ، و.....
قالت : أرجوووووووووووووك ... أن دموعي تسبقني والله .. خلاااااص ..
رأسي سينفجر . سأنصرف الآن .. مع السلامة .. !!!
وأغلقت الخط .. وكان يتضح جلياً أنها على وشك أن تنفجر بالبكاء ...
ثم تجدد اللقاء بعد مضي أسبوعين ..
ولكن للأسف ظهرت مجدداً كأنما نسيت تلك المعاني كلها .....
فلنتابع فلا يزال الحديث ذو شجون ..
موعدنا إن شاء الله مع الحلقة الثالثة قريبا
[/align]