عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2009-02-03, 6:19 PM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي لِيَكونَ لهَا شَمْعَة
لِيَكونَ لهَا شَمْعَة



رجاء محمد الجاهوش







أغمَضت عَينيْها بهدوءٍ مُحاولة الاسترخاء ، فقد كانَ يَومها ـ بَل يوم العالَم بأسْره ـ مُختلفا ..!

أرهقتها صور القتلى والجَرحى والدَّمار التي ما فتِئت تُشاهدها مُنذ الصَّباح ، وآلمَها هَوان الدّم المُسلم ، فبَكت ، وصَدى بُكاؤها : " لَزَوَال الدُّنْيَا أَهونُ على الله من قَتْلِ مُسلمٍ ..! "

غلبَها النَّوم فغَفت ، فكم هي بحاجَةٍ إلى ساعةِ نومٍ ـ فقط ساعَة ـ لتستيقظ بَعدها وتلزم مُصلاها .

-

في هدأةِ الليل وسكونِه انسلَّت مِن سَريرها ، ومَشت بتؤدَة تتفقد أبناءَها ، وهي تدعو الله أن يَحفظهم بحفظِهِ ، ويَكلأهم برعايتِهِ ، وأن يَهدي زوجَها ويُصلحهُ ، ثمَّ توضَّأت وجَلست بين يَديِّ الله تستغفرَه وتسبِّحه وتناجيه ...

تتفكّر في كلِّ ما مرّ عليها في يومِها ، من هُمُوم عامّة وخاصّة ، تبحَثُ عن مَخرج وسط كلّ هذه المَتاهات ، يُعييها التفكير فتستقبل القِبلة : تركع ، تسجد ، ويطول سجودها ، فلا مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ .



"قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " - - ( الجمعة:8)



أرعَبتها هذه الآية كما أرعَبتها صُوَر المَوت المُبعثرة هنا وهناك ، ردَّدتها كثيرًا كمَن يريدُ حفظ شيء في ذاكرتِهِ فلا يَبرَحها ، وترسيخ معنى في نفسِهِ فلا يُفارقها !



تذكّرت تلك الليلة ..!

ليلة أطفأت صَديقتها " صفاء " ـ التي تشاركها الغرفة في السَّكن الجامِعي ـ الأنوارَ وتمدّدت على الأرض ، ثمَّ لفّت نفسَها بلحفاها ، متخيّلة نفسَها داخل قبرَها وقد فارَقها الأهل والأصحاب ، وبَقيَت وحدَها غريبَة بينَ الدودِ والتّراب !

كانت تريد لذلك القلب الثاوي بين الضلوع أن يرقَّ بذكر هَاذِمِ الَّلذَّاتِ ، ولهذه الرُّوح الأسيرَة أن تحلّق في سَماواتِ العُبوديَّة الحقّة ، فالْكَيِّسُ مَنْ دانَ نَفسه وعملِ لما بعَد المَوْتِ .



" كم من الوقتِ مرّ يا "صفاء" على ذلك الموقف ؟!

سنين و سنين ، وها هُوَ يَجْثُمُ أمامي اللَّيْلة كأنَّه الأمس القريب ! "

تحدّثها نفسها بخوض ذات التَّجربَة إلا أنها تخشى أن يَستيقظ أحدٌ مِن أهلِ بيتِها فيفزَع إذا رآها على تلكَ الحالة .

زارَها خاطرٌ فاطمَأنَّت إليهِ ...

"سأفعلُ كما تفعل صَغيرتي وأختبئ في خِزانة مَلابسي ...

سأضُمُ بَعضي إلى بَعضي ليسَعني المَكان ، مُستشعرة حال مَن يَجلسون في الظلام ، لا يَملكون سِوى شمْعَة ، وأولئك الذين يَرقدون تحتَ الرُّكام وهُم أحياء ، حيث لا ماء ولا نسْمَة هواء" .



أطفأتْ أنوارَ الغرفة ، وجَلبَت هاتفها النَّقال ليكونَ لها شَمْعَة ، ثمَّ اندسَّت في خزانة مَلابِسها وأحكمت إغلاقها ...

سرى ضوء هاتفها النَّقال في جَمرة المكان ، ثمَّ بدأ يتلاشى رُوَيْدًا رُوَيْدًا ...

ظلام دامِس ، المَكان ضيّق ضيّق ، والهواء النَّقي كادَ أن يَنفد !



رُحماكَ يا ألله !

رُحماكَ يا ألله !

رُحماكَ يا ألله !



سَطعَ النُّور فجأة ..!

يَدٌ قاسِيَة اقتلعَتها مِن مَكانها ثمَّ هَوَت بها إلى الأرض ، ودوَّى صَوتٌ أصَمَّ المَدى : - ماذا تفعلين هُنا ؟!

- معَ مَن تتحدّثين في هذه السَّاعَة المُتأخرة مِن اللَّيْلِ يا ... ؟!!