عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2009-01-28, 4:04 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي قد اصبحت الأرض عروساً !!
قد اصبحت الأرض عروساً !!




يالله كم يجتهد الناس في تزيين هذه الأرض ، حتى جعلوها كالعروس ليلة دخلتها !

الأصل أن الله سبحانه قد زينها قبل الخلق ، ثم أذن لهم أن يعملوا إبداع عقولهم في مزيد من التزيين لها ، فكان إن أخذت الأرض زخرفها وازينت ، حتى ظن أهلها أنهم قادرون عليها ، أو قد أوشكوا أن يظنوا ذلك ..!

أما تزيين الله سبحانه للأرض ، فقد بين وأوضح حكمته ..فقال تعالى :

( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) سورة الكهف

فهي مزينة فاتنة لتكون محطة ابتلاء للناس ، وهم يرون هذه الزينة ، ويمشون في مناكبها ، ويخوضون خلالها ..

وفي موضع آخر بين أن اكتمال زينتها إيذان بنهايتها !

(.. حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ...) سورة يونس

ولأنها مزينة مغرية فاتنة ، حتى أصبحت تدير عقل الحليم ، فما أكثر الذين وقعوا في فخها ، وسقطوا في فتنتها ، وانحدروا في سيلها ، وضاعوا في متاهتها ..!

ولم ينتبهوا أن سر التزيين فيها ، إنما هو أشبه بورقة امتحانيه ، على العاقل أن يمعن النظر فيها ، قبل أن يجيب عليها ..!

فهي مزينة مزخرفة إذن ليستيقظوا ، لا ليسقطوا ..! ولكن ما أكثر الذين سقطوا!!

عندما يقدم لك أحدهم كاس عسلٍ ، ثم يقول لك وهو يمد يده بالكأس إليك :

هو رائع شهي ، ممتع لذيذ ، غير أن فيه كمية بسيطة من السم الزعاف ، ولا عليك ، لا تلتفت إلى سمه القاتل ، واستمتع هذه الدقائق من بقية عمرك مع حلاوة هذه الكأس ، وتلذذ بها ، ولا تحمل هم أنها ستقتلك ؟؟؟

بالله عليك كيف ستكون ردة فعلك ، وأنت تسمع مثل هذا ؟

هل يكفي أن يكون العسل شهياً ، ولونه مغرياً ، وطعمه لذيذاً ، وحلاوته باهرة ، بحيث تغض الطرف تماماً عن وجود السم الزعاف فيه ؟؟

أم أنك ستنسى تماماً كل ميزة فيه طيبة ، لتتجلى بين عينك كمية السم القاتل فيه !

ومن ثم يقشعر جسمك ، وتتحفز أعصابك ، وتتداخل إلى داخلك ، وتحذر كل الحذر من مجرد الاقتراب منه ، بل أحسبك ستحذر كل الحذر من هذا الإنسان الذين يزين لك الشرب من هذه الكأس ..!!

ومثال آخر :

لو انك رأيت ثعباناً جميل المنظر ، ناعم الملمس ، هادئ الحركة ، وأنت تعلم تماماً أن عضته والقبر ..!

ترى هل سيغريك منظره الجميل ، وملمسه الناعم ، أن تقرب منه ، وتحتضنه ، وتضمه إلى صدرك ، وتقرب وجهك من وجهه ..!!

أم أنه يكفي اسم الثعبان فقط ، لتبقي حذرا منه ، غاية الحذر ..!

فإن كنت ممن يحسن التعامل بحكمة ، مع هذه الثعابين القاتلة ، قادر على الانتفاع منها ، واستخلاص ما يفيد من بين أنيابها !

فإنك ستكون حينها في منتهى الحذر ، وأنت تتعامل معها في كياسة وتوجس ..!

كذلك شأن الدنيا ، تماماً بتمام ..

الدنيا ليست محرمة على الإطلاق ، ولكن الحذر يلزم عند التعامل معها ، فكم قتلت من عشاقها ، وكم أهلكت من محبيها ..!

أما الناس فقد أضافوا إلى أصل زينتها ، ألواناً من الزينة والزخرفة والبهرجة ، ليزدادوا إيغالاً في الفتنة بها ، والسقوط فيها ، والسحر معها !

حتى أن منهم من شك في وجود الآخرة أصلا ، وهو يرى كل يوم ما يرى من ألوان المخترعات الحديثة ، التي لحست عقله كله !!

ومنهم من شغلته تماماً عن الالتفات إلى ما هو أولى له ، عند ربه سبحانه ، فنسي ما يريده الله منه ، حيث لم يعد رأسه مشغولاً إلا ببهرج هذه الدنيا ..!

أما العقلاء _ وقليل ما هم _ فلم تزدهم هذه الزخرفة والزينة والبهرجة ، إلا عشقاً للآخرة ، وتشميرا في العبادة ، وحبا لله بديع السماوات والأرض .!

سر ذلك : أنهم أعملوا عقولهم في هذه البدائع والعجائب المذهلة ، وقالوا لأنفسهم :

هذا ما أعد المخلوق وأبدع ، فكيف بما أعده الله سبحانه في جنة عرضها السماوات والأرض ، لاشك أن كل هذه الزينة والزخرفة لا تساوي شيئا أبداً بجانب ما أعده الله لعباده المؤمنين ، الذين أحبهم ,أحبوه ، وترجموا هذه المحبة إلى عمل وطاعة ، واجتهاد وتشمير في طريق الله عز وجل ، ليعيشوا في هذه الدنيا كما يحب ويرضى ، وحتى إذا ماتوا ماتوا وهو راضٍ عنهم ..!

فما كان سبب فتنة لكثيرين لا يحصيهم إلا الله ، كان هو هو سبب تقوية إيمان لهؤلاء القلة من عباد الله ، وسبباً قويا في تنوير قلوبهم ، وشدهم إلى ربهم سبحانه

ومن هنا قال بعض العلماء في قوله تعالى :

( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء ...) الآية

قال : خلقها لكم لتنتفعوا بها من وجهين .. دنيوي وأخروي !

أما الدنيوي فمعروف ، أن يجتهد الإنسان على هذه الأرض فيستخرج خيراتها ، وينتفع بما فيها من أقوات وطاقات وكنوز ...الخ

أما الانتفاع الأخروي ، فإن تكون زينتها ، سببا في مزيد من قربهم من ربهم سبحانه ، فكل شيء فيها يشدهم إلى مولاهم ، ويزيدهم قربا منه ، وارتباطا به ، وذكرا له ، وحبا له ، وشوقا إليه ، كما قال القائل :

وفي كل شيء له آية ** تدل على أنه واحدُ

هل فهمنا الدرس أم نحتاج إلى الإعادة ..!؟






كتبها بو عبدالرحمن