انتهى المشهد في نفس أخينا ( سالم ) ، ولم ينتهي المشهد في نفوس أسرة سالم ، وأيضاً لم ينتهي في نفوسنا جميعاً ، فلنا حوله أمور :
1- إن الحوار التربوي الهادف ؛ مدعاة لتوسيع مدارك الأولاد ، وتنمية عقولهم ، وزيادة مهاراتهم ، واستقرار حياتهم ، وانضباط سلوكياتهم ، وشعورهم بالجسد الواحد ، وليس في تكميم الأفواه ، والمطالبة بالعزلة عن المشاركة في مجريات أحداث الأسرة ، ما يدل على الأدب الرفيع ، أو التهذيب الخلقي ، أو الاحترام المتبادل ، بل إن افتقار الأسرة إلى الحوار ؛ سبب لعلاقات مقطوعة بينها ، وسلوكيات مشبوهة ، وآهات ستجد طريقها سريعاً خارج أسوار المنزل .
2- الالتجاء إلى الرحمن الرحيم ملاذ آمن ، ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )(البقرة / 156) ، والدعاء خير كله : ( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا )( الفرقان / 74 ) .
3- أهمية التحاق الوالدين على الخصوص ، وأفراد الأسرة على العموم ؛ بدورات تعنى بثقافة الحوار ، تقيمها المراكز والجهات الأسرية المتخصصة .
4- ينبغي الإطلاع على ما ورد في كتاب الله ، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وما ورد عن سلفنا الصالح من أساليب الحوار وطرائق التعامل مع الآخرين ، مع تبيان أن تربية الأولاد جهاد له أصوله وفنونه ، وأن الطريق الآمنة لتربية صالحة صحيحة ، تبدأ من عزيمة صادقة على التعلم ، وضبط للنفس لالتزام المنهج التربوي القويم ، ومن ذلك : التجرد من حضوض النفس ، والبعد عن الندِّية في التعامل مع الأولاد ، واستشعار أن الزوجة والولد رأس مال عزيز وغال ، وتقبل الأولاد كما هم .
5- التأكيد على أن أزواجنا وأبناءنا بحاجة إلى أن يشعروا بالأمان وهم يُعَبِّرون عن عواطفهم ، أو أفكارهم ، أو آرائهم في مجريات الأحداث من حولهم ، وأن يكون لهم رأي في أسلوب حياتهم ، أو علاقاتهم ، بحاجة إلى أن يُحَرَّروا من ( الصراخ ، والكبت ، والأوامر الجافَّة ، والقسر ) ، ثم لنترك هامشاً طيباً للمقابل أن يخطو خطوات يستبصر مرحلته القادمة ، ويتعرَّف عن نتيجة قناعاته .
6- في الجملة إذا دخل الوالدان ، أو أحدهما المنزل ، ولم تُهرع الزوجة ، أو الأولاد كباراً وصغاراً لاستقباله ،والاحتفاء به ، فليعلم أن هناك حاجزاً ،وضعفاً في التواصل بينه وبينهم .
7- عند الدخول ؛ ينبغي من الأبوين المبادرة إلى حُجرات أفراد الأسرة فرداً فرداً ، للتواصل معهم ، وإشباعهم عاطفياً ؛ بكلمات الحُب مثل : ( هلا بحبيبي ، أهلاً بعمري ، اشتقت إليكم ) ، مع الابتسامة ،والعناق ، والسؤال عن أحوالهم ، فذاك مدعاة لراحة الأبوين النفسية من جهة ، ولتهيئة المنزل برياحين الحب ،وللتواصل الإيجابي والحميم مع جميع أفراد الأسرة .
8- ينبغي التواصل هنا مع الأولاد بخصوصيتهم كأفراد ينتمون لهذه الأسرة ، وليس بحسب مستواهم الدراسي ، أو الوظيفي ، أو السلوكي ، فذاك له مكانه الخاص .
9- " لا تبكِ على اللبن المسكوب " ، عند حدوث خلل ما ، اعمل على عدم فتح مجال للنقاش حوله ، وأنت ضيق النفس ، مكدود الجسم ، استثمر " اللبن المسكوب " لمصلحة إضافية ، لا إلى مفاسد تُسهم في تثبيط المعنويات ، والتأثير في العلاقات .
10- الإشارة إلى حاجة الأسرة لتوظيف الهمسات ، والنظرات ، واللمسات، والكلمات ، والقبلات ، والابتسامات ، والعناق ، مع تهيئة أجواء الأسرة بالحب ، والملاطفة ، والألفة الجماعية ، والعلاقة الحميمة بين الأبوين من جهة ، وبينهما مع الأولاد من جهة أخرى ، مع تشجيعهم على التعبير عن مشاعرهم ، واستقلالية شخصيتهم ، لنرسم مسيرتهم الواثقة ، ولنحفظ عاطفتهم المتدفقة ، فذاك من أهم الحاجات النفسية التي يحتاجهونها .
11- لنتعرَّف على خصائص المراحل العمرية لأولادنا ، ولنتعامل معهم وفق أطر علمية تربوية شرعية ، فقيادة أسرة فاعلة لا تكون دون رخصة معتمدة .
12- يجب أن تُعالج السلوكيات السلبية في مهدها ، النميمة التي قام بها ( إمام ) ، تدخل في عمل الأم ، التي ينبغي أن تذكرها في وقتها المناسب ، بل هي مؤثر سلبي في علاقة ( إمام وعصام ) ، إضافة إلى مخالفتها الصريحة لما رواه عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( أَلَا أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ هِيَ النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ ) ( رواه مسلم ) .
13- ( سالم ) هنا ، يعاتب ابنه ( عصام ) على الكذب ، وما درى أنه سبب لهذا الكذب ، بالإضافة إلى إفزاعه ، وعقابه ، فعصام هنا لم يقصد كسر التحفة في الغالب ، إذ أن هذه المرحلة لديه ، مرحلة تعرُّف واستكشاف لما حوله ، واختبار لقدراته ، فسالم هنا بنبرات صوته المرتفعة ، وقسمات وجهه المتجهِّمة ، لم يدع لعاصم سبيل إلا طريق ( الكذب ) ليحمي نفسه .
14- ( حنان ) العضد المكمِّل للأب في قيادة البيت ، وتربية الأولاد ، فمتى أسهم الرجل في قطعه ، فقد أسهم في خلخلة بيته ، و ( المفردات المحقِّرة ) التي أطلقها سالم لزوجته حنان ، أمام سمع ومرأى الأولاد ، لاشك أنها تعصف بمكانتها كقدوة لأبنائها ، وتؤثر في سلباً في شخصيتها ودورها في المنزل .
15- ( وئام ، وحسام ) يحتاجان منا إلى التشجيع والتحفيز ؛ لعلاج المشكلات العارضة ، بل وتبيان شخصيتهما ومرئياتهما حول أمور المنزل ، بحوار إيجابي يحترم شخصياتهما ، كيف !! وهما أكبر الأولاد أولاً ، ثم في أوج مرحلة المراهقة ، التي يحتاجون فيها إلى من يحتويهم ، لا إلى من يعزلهم ويخرس ألسنتهم .
16- وأخيراً كان ( سالم ) في حاجة كبيرة لإدارة حوار فاعل مع أفراد أسرته ، ليهنأ بحياة أسرية وادعة منتجة ، ولتنعم زوجته وأولاده بري عاطفي ، ودفء أسري جميل ، وذلك من خلال :
أ- استغلال أي مداخلة في الحوار للزوجة أو للأولاد على أنها فرصة للبناء ، ينبغي إفساح المجال لنجاحها .
ب- استثمار ( العين ) لبدء اتصال حميمي مع المتحدث ، والحذر من الانصراف عنه كلياً أو جزئياً ، مع الانتباه إلى كل كلمة يقولها، فهذا يوحي بعدم الاهتمام .
ت- من أسباب التواصل العاطفي ، ونجاح الحوار ؛ الاحتكاك الجسدي المباشر ، ومنه : مسك الكف ، أو وضع اليد على الكتف ، أو العناق . مع تهيئة أجواء حميمية وهانئة يشعر الجميع معها بالارتياح إلى تبادل الأفكار والطموحات والآراء.
ث- الابتسامة ، وحركة الرأس ، والتعليق بين الحين والآخر بكلمة أو كلمات مختصرات ، توحي بتفهم ما يقال ، صور إيجابية ، بينما النظر إلى الساعة بين الفينة والأخرى ، والانصراف بالوجه ، والسكوت المطبق ، صور سلبية في الحوار .
فلذات أكبادنا أمانة ، وإنهم يوم القيامة حسرة وندامة ، ما لم نتعامل معهم على أنهم أنفس تحتاج منا إلى رعاية وسقاء ، إلى حوار أسري ماتع ، إلى أن يجدوا في صدورنا سعة ، كفضاء ما بين السماء والأرض ، يجعلهم يحلمون ، ويهنئون ، ويرتوون ، ويسرحون ، ويمرحون ، ويوافقون ، ويخالفون ، ومع ذلك كله ، لا زالت نبضات قلوبنا تحيط بهم من كل اتجاه .
إن إنصاتنا لأبنائنا ، السبيل القويم لينصتوا لنا ، وكما قيل ( خمس دقائق ينصت فيها الأب لابنه ، قد تجعله يتفادى تضييع ساعات طويلة في معالجة مشكلات ناجمة عن قلة التواصل أو مناقشة حالة توتر ) .
وصلَّ الله وسلَّم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .