الموضوع: حبيبتي
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2008-12-20, 8:18 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي حبيبتي
حبيبتي
محمد مسعد ياقوت








يا قارئي، دعني أبوح لك بكلمة ، علك تواسيني بعَبرة ، قدمت بين يديها عَبرات ، هذه طفلتي ، لا ترى ولا تعقل ، عمياء بكماء ، قعيدة عاجزة ، إذا نظرت إليها نظرت إلى صفحة من صفحات الموت ، فهي ميتة ومعدودة من الأحياء ، وحية تحسبها من الأموات ، حال عليها الحول الأول من عمرها ؛ ولم ترى النور ، كالزهرة المشوهة التي كتب عليها القفول .

تصرخ في هدأة الليل ، كأنما تستغيث من قبر دُفنت فيه، صرخة مرعبة ، ليست كصرخات الأطفال التي تشبه الضحكات ، إنما هي رنة ذبيح ، وأنة جريح ، تخرج من أعماق القبر إلى مضاجع الآمنيين ؛ فتسدل عليهم ستار الفزع والأسى .

أضمها إلى صدري ، فإذا تقابل الصدران شعرت أن صدري أو صدرها - لا أدري - ينزو ألمًا ، وينزف دمًا .. أضمها وكأنما أضم إلى نفسي أشلاء إنسان ، وبقايا أسمال ، تزفر الزفرة ؛ تذبح بها قلبي ذبحًا ، أترنح من هول آلامها كالذي يُغشي عليه من الموت .. أقول هل في الدنيا أتعس منك أيتها البنت البريئة ؟ أيتها العمياء البكماء الخرساء المشلولة، ألم يجعلك الله لنا رحمة ، بحيث تذكرينا دومًا بقدرة الله الواحد الديان ، وجعل منك عبرة لكل فتاة عرجاء الإيمان عوراء الأخلاق !

يا ابنة مَن، كلما تأوهتي ، تأوه لك منه كُل عضو وضلع وعرق .. لو نطقتي بكلمة " أبي " لكانت أحب إليه من الشمس وضحاها ، والقمر إذا تلاها ، ولو ارتسمتْ البسمة على ثغرك ، لحلفَ أنها الجنة في ثناياك وأنك في ثناياها.

يا ابنة مَن ، كلما توجعتي ، توجع فيه اللحم والدم والعظم . كيف يطيب العيش لأب يموت لك في اليوم موتات ، وقد بذل لك الطب من الأقاصي والأداني .

أحبك يا طفلتي، وهل الحب إلا زفرةٌ بعد زفرةٍ، وحرٌ على الأحشاء، ووخز في الضلوع، وفيضُ دموع ودموع .

ويشتد حبي لك ، كلما اشتد البلاء بكِ ، فقد جعلك الله مشكاة أحزاني ، يا نور إيماني ، أستضيء بنورك في كتاباتي ، وأستلهم من جرحك في مقالاتي ، وجرحك هو جرحي ..

هذا الضوء المتشعشع في سواد ذؤابتك الرقيقة أستصبح به ، وكأنما أفتح في وجهك كتاب الله ، أزداد يقينًا بالنظر إليكِ ، وإيمانًا بالجلوس بين يديكِ .

سلام الله عليك يا فلذة كبدي موعدنا الحوض ، ومجلسنا الجنة ، حيث أراك بخير صحة ، تسمعين وتبصرين ، قد أعاد الله إنشائك سليمة صحيحة ، أسمع منك كلمة " أبي " التي لم أسمعها ، وأرى في محياك الضحكة التي حُرمتُ منها .
_________


بقلم : محمد مسعد ياقوت