عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2008-12-20, 7:50 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي أشياء رائعة نمتلكها
أشياء رائعة نمتلكها
هناء الحمراني


احمرَّ وجهها، ويداها تحلِّقان في السماء، حركاتُها سريعة، تقفز بِخطواتها من مكان لآخر، فتحتْ حقيبتَها.
- انظُرْنَ، هذه اشتريتُها عندما ذهبْنا إلى مهرجان التَّسوُّق المقام هناك، هذا السلْسال الذَّهبي، انظُرْن جيِّدًا، ما أروعه! قدَّمه أبي هديَّة لي قبل عودتنا.

أعين ناعسة، أجساد هامدة، تُراقب ما تفعله، أذنان شبه مصغية لما تقوله، ولكنَّها لا تزال تسْرد عليْنا حكاية سفَرِها وأسرتِها إلى دولة مجاورة، في العُطْلة الماضية، تُحاول التوقُّف عن هذه الثَّرثرة، إلاَّ أنَّ سعادتها برحلتها تَمنعها من السكوت.
***


هل يُمكنني وصفُ ما أصابنا وهي تتكلَّم عن رحلاتِها؟ لا، في الحقيقة لم يُصِبْنا شيء، هذا بالضَّبط ما حدث، برود شديد يَسري في أجسادنا، لا تفاعل، لا تعجُّب، لا ذهول، لا تعليق، ولا حتَّى انتِقاد!
***


لا زالت تُثرثر، أفّ متى تنتهي؟ تقطع صمْتَنا بسؤال جعلَنا نُحملِق جيِّدًا في أشكالنا:
- لماذا أنتنَّ هامدات؟ أأنتُنَّ غاضبات من شيء ما؟

تداركنا أفواهَنا الفارغة، رفعت ياقتي، رتبت أطراف ثوبي، أرفع ظهري وأبتسم:
لا، لا شيء سوى أنَّني لم أنَم البارحة.
تلتفِت إلى بقيَّة الزَّميلات، يضْحَكن:
- أوه، هل نحن كذلك فعلاً! صحيح، إرهاق السهر، لم نسافر في العطلة مثلك، تعرفين!
***


ما هي الحقيقة التي تتخفَّى وراء هذه الكلمات؟ أصحيح أنَّنا مُرْهقات نَحتاج إلى الراحة؟ أم أنَّ هناك أمرًا ما أكثر تأثيرًا في أمزِجَتِنا ونشاطِنا آنذاك؟

يبدو أنَّ الأمر يحمل بعض الطرافة - بالنسبة لي - ولكنَّه بالنسبة لزميلَتِنا "ميس" يختلف كثيرًا، هذا إذا علمت سببَ برودِنا، فإنَّه سيبدو لها مؤلمًا، لدرجة تَجعلها تفكِّر ألف مرَّة قبل أن تُبدي مشاعرَها السعيدة وحكاياتها الممتعة - بالنسبة لها على الأقلِّ - أمامنا مرَّة أخرى.
***


نثرتْ إيمان إكسسواراتِها أمام شقيقتِها بعد عودتِها من السوق:
- هل تبدو جميلة؟
وببرود:
- نعم، يعني مادام أنَّها تروق لك فهي جميلة!

وبالرغْم من أنَّ شقيقتَها هي التي رفضتِ الذَّهاب إلى السُّوق، فقد شعرت بذات البُرود واللامبالاة التي أصابتْنا، ولكنَّها في داخل أنفسنا غيرة تضطرم نارًا.
***


نعم، أعترف وبصِدْق، لقد شعرت بالغيرة منها، سافرتْ هي وجلستُ أنا؛ ولذلك لم أستطِعْ تبادُل الأحاديث معها.
وهذا تمامًا ما حدث للمْياء يوم رأت الثَّوب الرائع الذي ارتدتْه ريما في حفل زفاف شقيقتِها، وهو ما جعل أفنان تنعَت صديقتَها بالمغرورة والمتعالية لمجرَّد أنَّها حصلت على درجات عالية في المدرسة.
***


هل يحقُّ لنا أن نحسَّ بِهذا الشعور؟

هل يحقُّ لنا أن نغتال فرحةَ الآخرين بِعدم تفاعُلِنا معهم لمجرَّد الغيرة؟

هل نحبُّ أن يعاملنا الآخرون بنفس المعاملة إن حصلْنا على أشياء جميلة ورائعة؟

الحياةُ فرص، وكلٌّ منَّا يأخذ ما هو له فقط، ولن يأخذ أكثر من ذلك.
ولكنَّنا - وفي الوقْت ذاته - نَمتلِك مزايا أُخْرى تبدو في أعين الآخرين رائعة ومثيرة، ونُصيبُهم أيضًا بذات البرود والصمت، والغيرة.

لنفتِّش في حياتِنا عن مثل هذه الفرص، لنتذكرْها، لنتخيَّل الأشخاص الذين لم ينالوا تلك الفرص يومها، لنتذكر ردودَ أفعالِهم، لنتخيَّلْهم وهم يستمعون لنا تَماما كالجدران الملأى بالقُطن.
***


وقفتْ أمامي، استدارتْ بِجسدها الرَّشيق، ما رأيُك في ثوبي؟ وعلى الرغْم من أنَّها كانت أجْمل منِّي بكثير، قفزت من فوق الجدران، ومزقت سحب الدخان، لتشرق ابتسامتي:
- إنَّ ذوقك رائع، لبس حميد إن شاء الله.