قصف من نوع آخر
ريما حلواني
جنودٌ مجنَّدة، وقواتٌ دولية منظَّمة، تجتاح عقولَ شبابنا، هي منظَّمة أفضل تنظيم، ومجهَّزة أحدث تجهيز بأكثر الأسلحة فتْكًا، وأقواها تأثيرًا.
قصفٌ من نوعٍ آخر، ينهال على عُقُول الشَّباب المسلم اليوم، مِن شبهات تُعرض، ومن شهوات تُزيَّن، ومِن إعلانات يُروَّجُ لها، ومِن اتِّهامات تُلقى على الإسلام وحَمَلَتِه، دون أن تجدَ مَن يصدّ هجمتها، ويردع مهاجميها، إنَّما كانتْ نتيجة كلِّ تلك الهجمات فراغًا فكريًّا حَلَّ بالشباب المسلم، فضيَّع به الهدف، وخسر به المصير، فلمَّا طُرحتِ الشُّبُهات حول الإسلام بأنه دينٌ: يغيِّب العقل، ويتناقض مع العلم، وينتزع إرادة الإنسان، ويحقِّر المرأة، إلى غيرها منَ الشُّبهات، لم يجدِ الشباب لها رُدُودًا مُفْحِمة، ولم يتلقَّ حولها توعيةً صريحةً منَ العلماء والمربِّبين والدُّعاة؛ إلاَّ مَن رحِم ربُّك مِن علماء الدِّين لا الدُّنيا.
بذلك صارتْ قضايا الإلْحاد والدِّيمقراطية والمساوَاة والحُريَّة والعلمانيَّة، وغيرها منَ القضايا - تُطرح وتُزيَّن للشباب المسلم، دون أن يدركَ خطرها، وما ينجُم عنها مِن قصْفٍ فِكري، يهدم عقيدته، ويشكِّكه في شريعته؛ ليصبحَ فارغ الفكر، لا يعلم هدفه في الحياة، ولا يبصر طريقًا يسلكه، ولا يعرف لأيِّ السُّبل يهتدي.
إن تلك القوات الدَّولية المتَّحدة على إبطال الحقِّ، وإحقاق الباطل، إنما تعمل بتخطيط وتنظيم مدروسينِ ودقيقين؛ لتُبعدَ الشابَّ عن عقيدته التي تستحثُّه على العيشِ بعزٍّ وكرامة، لا يقبل الذُّلَّ والهوان، ولا يرضى بأنصاف الحُلُول، ولا يقبل إلاَّ أن يملكَ بدينه وشريعته زِمام الأمور، يرفُض الأنظِمة الشيوعيَّة والعلمانية والدِّيمقراطية المدمِّرة لعقيدته، ولا يرضى إلاَّ بنظام الإسلام تطبيقًا عملِيًّا، وتشريعًا ربَّانيًّا، وينتصر لإخوانه المعذَّبين نصرةً؛ كما يرضى بها اللهُ ورسوله، لا كما يرضَى بها الحكم العلماني وأتْباعه.
ذلك الزَّحف المستشري في أوْصال جَسَد الشابِّ المسلم - ضيَّع كثيرًا مِن الفُرَص أمام الشباب، سهَّل لهم المنكرات والموبقات، وسنح لهم بكلِّ فرص الفساد: من كسبٍ للحرام عبر بنوك ربويَّة، وفوائد تصاعديَّة، وتضييعٍ للأوقات في فضائيَّات غنائيَّة، وبذلٍ للمال والعافية في المنكرات والمسكرات، والوقوع في المحرَّمات.
فلوِ استغلَّ شبابُنا فرَص العلم؛ ليرتقيَ بها إلى مصافِّ العلماء والدُّعاة والمصلحينَ - لما كان حالُنا هذا الحال، ولو بذل شبابنا ماله فيما يرضي الله ورسوله من زكاةٍ وصدقةٍ، فآوى اليتامى، وانتصر للمضطهدين، وفكَّ أسر المأسورين في بلاد المسلمين وغيرها - لما استغاث ملايين المسلمين، طالبين سدَّ الرمق من هيئات التَّنصير والتبشير، التي شمَّرت عن ساعِد الجِدِّ، واستنفذتْ كلَّ القوى؛ لتعلنَ حَسْم معركةٍ تَنَازل عن خوضها المسلمونَ، ورفعوا أكفَّ الاستسلام قبل المحاوَلة، وقبل بذل العرق والدِّماء.
تلك الأنظمة العالميَّة المتكاتِفة ضدَّ الشباب المسلم، لا يهمها أن تستبدلَ عقيدة باطلةً بعقيدة الحقِّ؛ بل جُلُّ همِّها أن تتركَ الشَّباب في وسط الطريق، وأن تُغرقهم بالتناقُضات التي تطرحها، وأن تصمَّ آذانهم عن ذِكْر الله، ونُصح الدُّعاة المخلصينَ.
همُّها: أن تحوِّلَ الشابَّ المسلم إلى كائنٍ ماديٍّ، يلهث وراء المادِّيات طوال حياته، فيضيِّع طريق الهَدْي النبوي، ويترك الأمر بالمعروف، والنَّهْي عنِ المُنكر، وينسى إخوانه المسلمينَ الذين تسيل دماؤُهم كلَّ يوم رخيصةً؛ ثمنًا لمَلَذَّاتِه وشهواته الدَّنيَّة.
هذا هو الحال، لا يخفى على أحد، وما التَّغيير وما النَّصر إلاَّ بِهِمَمِ الشَّباب وعزمهم، وحماسهم وجدِّهم، وتصميمهم على تغيير الواقع المخزي إلى مستقبلٍ مُضيءٍ، يُحقِّق عزَّ الموحِّدين، ويرفع راية الحقِّ التي لا يعلو فوقها راية، ولا يُرجى بعدها غاية.
وهذا التغيير إنما أساسُه تصويب الهَدَف؛ ليكونَ الالتزام بالقرآن العظيم، وهدي سيِّد المرسلين، وقول الحقّ في كلِّ الظروف، والعمل مع جماعةٍ مؤمنة تقيَّة تَتَوَاصى بالحقِّ، وتتواصى بالصبر، تأمُر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتنتصر للحق - تبارك وتعالى - لا تخاف في الله لومَة لائمٍ، ولا تركع أمام تهديدات المفسدين الضالِّين، بِنَصْر الله وعونه.