بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على نعمه العظيمة ، وآلائه الجسيمة ، والشكر له على ما أولانا به من الخيرات ، وكثير البركات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مالك الأرض والسموات ، عظيم الأعطيات ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نبي الهدى والرحمات ، عليه من ربه أفضل السلام والصلوات ، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم العرصات . . أما بعد :
تعريف الاستسقاء :
الاستسقاء : هو طلب السقيا ، أي إنزال الغيث على البلاد والعباد من الله الرحيم الودود .
الفرح بالمطر :
ما أجمل أن تُمطر السماء ، وينهمر الماء ، إنها نعمة من الله ومنة .
بهطول الأمطار ، على البلاد والأمصار ، يفرح العباد ، وترتع البلاد ، ويستبشر الحاضر والباد .
وانظر إلى الناس وهم يجوبون الشوارع والطرقات بأطفالهم وأهليهم ، فرحاً بنزول المطر ، إنها مناظر حقاً معبرة عما في الصدور من البشر والسرور .
تأخر المطر :
فلماذا لم ينزل الماء من السماء ؟
ولماذا نبقى شهوراً وربما دهوراً لم نرى قزعة في السماء ، وإذا رأيناها مرت مرور سريعاً ؟
أسئلة تدور في الأذهان ، والجواب عليها سهل ميسر لمن سهله الله عليه .
التقوى والمطر :
كل ذلك بسبب فقدان التقوى ، أو ضعف جدارها ، فالتقوى أيها الأخوة في الله هي سبب كل خير ، وسبيل كل بركة ، ألم تطرق أسماعكم آيات سورة الأعراف ، التي يقول فيها صاحب الأعطيات والألطاف : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ الله فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلاَّ الْقَوْمُ الـْخَاسِرُونَ } [ الأعراف 96-99 ] .
بيّن الله عز وجل أن الابتعاد عن المعاصي ، والقيام بالواجبات ، من أعظم أسباب إنزال البركات ، وهطول الأمطار ، وكثرة الخيرات .
المعاصي والمطر :
ذكر الله عز وجل أن أهل القرى لو آمنوا بقلوبهم ، إيمانًا صادقًا صدَّقَتْه الأعمال ، واستعملوا تقوى الله تعالى ظاهرًا وباطنًا ، بترك جميع ما حرَّم الله ؛ لفتح عليهم بركات السماء والأرض ، فأرسل السماء عليهم مدرارًا ، وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون أعماراً ، وما تعيش به بهائمهم أطواراً ، في أخصب عيش ، وأغزر رزق ، من غير عناء ولا تعب ، ولا كدٍّ ولا نَصَب ، ولكنهم لم يؤمنوا ولم يتقوا ، فماذا كانت النتيجة { فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } بالعقوبات والبلايا ، ونزع البركات ، وكثرة الآفات ، وهي بعض جزاء أعمالهم ، وإلا فلو أخذهم بجميع ما كسبوا ما ترك عليها من دابة ، كما قال عز وجل : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [ النحل 61 ] ، وكما قال سبحانه : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ الله كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا } [ فاطر 45 ] .
الجدب والسَّنَة :
وما هذا الذي يُصيب الناس من تأخر الأمطار عن موعد هطولها ، وإمساك المياه عن إبان نزولها إلا بسبب المعاصي والذنوب ، التي وقع فيها كثير من الناس ، فعوقبوا بهذه العقوبة لعلهم يرجعون إلى ربهم ، ويحكموا شريعته ، ويتبعوا سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ويحكموا سنته ، كما قال تعالى : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ الروم 41 ] .
التقوى وهطول المطر :
التقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية ، وكيف ذلك ؟ بأن تفعل ما أمرت به ، وتترك ما نُهيت عنه ، هكذا تكون من المتقين ، ألا لا تغضب يا أُخَيَّ إذا قيل لك (( اتق الله )) ، فقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } [ الأحزاب1 ] .
وتأمل أيها العبد الفقير إلى الله كيف أوضح الله عز وجل أن أهل الكتاب لو قاموا بأوامر التوراة والإنجيل وابتعدوا عن نواهيهما _ وهي التقوى _ لأدرّ الله عليهم الرزق ، ولأمطر عليهم السماء ، وأنبت لهم الأرض ، فقال تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ } [ المائدة 65-66 ] .