عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2008-11-09, 8:00 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران: 131-132].

أيها المسلمون: حاجة الأرض وما عليها لغيث السماء يدركه كل العقلاء، ولا ينكره إلا المبطلون؛ ولذا يخاف الناس حبس القطر، وجدب الأرض؛ لأن نتيجته الجوع والقلة والهلاك.

والأصل أن الغيث الذي ينزله الله تعالى قد باركه؛ لأن الله تعالى وصفه بالبركة في قوله سبحانه {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحَصِيدِ} [ق: 9].

ولكن هذه البركة قد تُنزع منه فلا ينتفع الناس به ولو كان كثيرا عاما في سائر الأقطار؛ كما جاء في حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لَيْسَتْ السَّنَةُ بِأَنْ لَا تُمْطَرُوا وَلَكِنْ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَتُمْطَرُوا ولا تُنْبِتُ الْأَرْضُ شيئا)) رواه مسلم.

وسبب نزع البركة من الغيث المبارك أن يقابل العباد هذه النعمة العظيمة بكفرها، ويقصررا في شكر الله تعالى عليها؛ كما ذكر الله تعالى جملة من النعم في سورة إبراهيم منها نعمة إنزال الغيث، ثم ذيل سبحانه ذلك بقوله عز وجل {وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34].

بل جاء في القرآن صريحا أن بركة الغيث، وبركة النبات والزرع تُنال بالتقوى، والتقوى هي فعل الأوامر، واجتناب النواهي، ومقابلة النعم بالشكر لا بالكفر {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96] وبركات السماء هي الغيث، وبركات الأرض هي النبات.

وبنو إسرائيل لما قصَّروا في شكر ربهم، وتثاقلوا عن إقامة دينهم؛ عُوقبوا بنزع البركة، وجدب الأرض، ونضوب الماء، فقص الله تعالى علينا ما حدث لهم؛ لئلا نقع فيما وقعوا فيه من التقصير في الشكر، وكثرة العصيان، فيصيبنا ما أصابهم {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} [المائدة: 66].

فلنشكر الله تعالى على ما أعطانا، ولنسأله البركة فيما أنزل علينا، والشكر يكون بالقول والفعل، واجتناب ما حرم الله تعالى في البراري والمتنزهات، والمحافظة على فرائضه التي فرضها؛ فإن الشكر سبب لزيادة النعم ومباركتها، كما أن كفر النعمة يزيلها ويمحق بركتها، وقد قال موسى عليه السلام لبني إسرائيل {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7] ولكن بني إسرائيل لم يشكروا نعمة الله تعالى عليهم فنزعت البركة منهم وأضيفت لكم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ونُقلت الخيرية والتفضيل منهم إليكم، فكونوا أهل الخيرية والتفضيل كما منَّ الله تعالى به عليكم، ولا تسيروا سيرة أهل الكتاب فتُنزع منكم إلى غيركم {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].

وصلوا وسلموا....
ابراهيم الحقيل