وجهة نظر ..!
قال له صاحبه وهو يحاوره :
يعيبون عليك يا صاحبي أنك تتحدث بحرارة وفي حرقة ، لكنك لا تخرج عن دائرة العاطفة ، فيأتي كلامك خالياً من العقلانية والعلمانية ، وبالتالي يكون بعيداً عن الموضوعية .. أو هكذا يقولون ..!
قال صاحبه :
أقول لك من خلال تجربة طويلة استغرقت سنوات كثيرة جدا ، كقارئ ومستمع أولاً ثم كمتحدث وكاتب ثانياً .. لقد وصلت إلى قناعة عميقة ، أن حرارة العاطفة هي الألصق بفطرة هذا الإنسان ، وهي التي تفجر فيه كوامن طاقته الخامدة ، وهي التي تحرك فيه مولده المعطوب ، وهي التي تحرك بنسائمها فوق الرماد الكثيف ، حتى تشب النار الخامدة في أغوار هذه الفطرة ، ومن ثم فهي التي تتولى إدارة دفة سلوكياته بعد ذلك ، نحو ما يراد لها أن تتجه إليه ..
قناعتي التي تجذرت في قلبي ، واصبحت يقينا ألقى الله به ، أن حرارة العاطفة إذا انبعثت من قلب حي صادق مخلص ، فإنها تكاد تحرق أكدار قلب المتلقي لها في ساعة ، وتشعل فيه وجدانه كله ، وتحرك فيه ما كان خامداً ، وتلهب الجذوة المتوارية تحت الرماد ، فإذا أنت أمام إنسان جديد ، خرج لتوه من مصنع نور ، فإذا هو مضيء مشرق ، يتوثب حياة ، ويتفجر نشاطا ..!
إن لغة الأرقام على خطورتها ، إذا لم تسقها إلى الآخرين بقلب حي ، ممزوجة بشحنة عاطفة مشبوبة ، وحرارة روح يسترح معها المتلقي ، فإنها لا تزيد على أن تكون مجرد معلومة عابرة يلقيها المستمع أو القارئ في خلفية عقله ، فلعله يحتاجها يوماً ..!
ما أكثر ما قرأنا ، وأكثر من ذلك ما نسمع ، ولكن ما الذي نجده يؤثر فينا حقيقة ؟ سل نفسك هذا السؤال ، وابحث بصدق وتجرد عن إجابة ، ستجد أن أكثر ما يؤثر فينا هو الكلام المشحون بعاطفة مشبوبة ، وقلب يحترق وهو يلقي عليك ما يلقي ..
إنك ترى أكثر علماء الدنيا يتحدثون عن حقائق مذهلة ، عن الكون والفضاء ودواخل النفس البشرية ، وعالم البحار ونحو هذا كثير .. ثم تسأل نفسك وأنت تتابع هذا الشلال من الأفكار :
إذا كانت هذه الحقائق وهذه الأرقام المذهلة ، وهذه العجائب والغرائب تملأ رؤوس هؤلاء ، ويتفنون وهم يعرضونها عليك ، فلماذا لم تثمر لهم إيمانا صادقا يربطهم ربطا محكما بالله سبحانه ، ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ويترجمون هذا كله إلى التحقق بالعبودية الحق لله عز وجل .؟؟
إنك لتخرج من هذا الإبحار الجميل مع كلام هؤلاء ، بحقيقة كبيرة هي ، أن رؤوس هؤلاء محشوة بالمعلومة الخطيرة ، لكنك لا تجد لها أثرا قويا في نفسك ، إلا إذا قدمها إليك بعضهم وهي ممزوجة بعاطفة ووجدان ، وحرارة قلب حي ، وروح تشعر بها وأنت تجد صداها بين الحروف ..
وإنما نعني هنا الأثر الفاعل المحرك إلى سلوك واقعي .. أما الإعجاب بالفكرة والانفعال اللحظي معها ، فقد تجده في طيات كلام علمي مجرد من اية عاطفة ..
إننا نريد قلوبا تخشى ، لا مجرد عقول تُحشى !!
نريد قلوبا تتفاعل بقوة مع ما تسمع وتقرأ ، وتترجم ذلك إلى استقامة سلوك ، وقوة ارتباط بالله سبحانه ، وانبعاث همة لا ترضى بغير القمة !
وعلى كل حال .. الوصول إلى مثل هذا الهدف الكبير هو الغاية التي نصبو للوصول إليها ، سواء أتحقق هذا من خلال عاطفة مشبوبة ، أو عقلانية مجردة كما يريد هؤلاء ..
ثم علينا أن لا ننسى حقيقة أخرى كبيرة ، وهي أن القلوب متنوعة مختلفة كأصابع اليد الواحدة لا تستوي .. فقد تتأثر قلوب بشحنة العاطفة ، وتتأثر أخرى بأسلوب آخر .. ولكن قناعتي أن حرارة العاطفة لها الصدارة وتأتي في المقدمة .. وكل قد علم مشربه !!
كتبها بو عبدالرحمن