عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2008-10-19, 7:13 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
- عوارض المرض:
ولكل مرض عارض يظهره ؛ فمرض اليد أن يتعذر عليها البطش ، ومرض اللسان أن يتعذر عليه النطق ، ومرض البدن أن يتعذر عليه حركته الطبيعية.

أما مرض القلب فهذا شيء آخر بحيث يتعذر عليه ما خلقه الله له من معرفته ومحبته والشوق إلى لقائه والإنابة إليه وإيثاره على كل شهوة وتذكره عند كل نعمة ونقمة.

يقول ابن القيم رحمه الله: " فلو عرف العبد كل شيء ولم يعرف ربه فكأنه لم يعرف شيئاً ، ولو نال كل حظٍ من حظوظ الدنيا ولذاتها وشهواتها ولم يظفر بمحبة ربه والشوق إليه والأنس به فكأنه لم يظفر بلذة ولا نعيم ولا قرة عين ".

قد يمرض القلب ويشتد مرضه وصاحبه لا يعرف ولا يشعر به ؛ لأنه مشغول عن ذلك ، بل قد يموت القلب – عياذاً بالله – وصاحبه لا يشعر بموته .

وعند التأمل في حياة كثير من الناس تجدهم أبعد شيء عن ربهم وعن الصدق معه وعن دينهم وعن القيام بمسئولياته ، ترى الذنوب والفواحش التي يستحي إبليس من تصورها ، ترى المعاصي على كل لون وبألف طريقة ، ترى الناس في غفلة وشرود ولهو وصد عن سبل الهدى والفلاح.

وما الرين وغلبة الهوى والقسوة وجمود العين وموت الضمير وعدم الندم على فعل المعصية وغير ذلك كله ما هو إلا صور تستجلب العبر من أمراض القلوب التي عمت بها البلوى وإلى الله المشتكى .

(( اقترب للناس حسابهم وهم فى غفلة معرضون * ما يأتيهم من ذكرٍ من ربهم محدثٍ إلا استمعوه وهم يلعبون * لاهيةُ قلوبهم )) ] الأنبياء: 1-3] .

كيف يتذوق الإنسان طعم الحياة بجسم متيقظ على الشهوات والمعاصي وبقلب مريض أو ميت ؟ بل كيف يتذوق طعم الإيمان وعنده هذه العوائق والعقبات ؟!

إن مرض القلب أو موته هو التفسير المنطقي لحياة كثير من البشر الذين استيقظت شهواتهم وماتت قلوبهم .

ومن الناس من يشعر بمرض قلبه ولكن يشتد عليه تحمل مرارة الدواء والصبر عليها.. وتارة يوطن نفسه علي الصبر ثم ينفسخ عزمه فيرجع عن الطريق ولا سيما عند قلة الرفيق وعند الوحدة فحاله يقول لو نطق : أذهب مع الناس حيث ذهبوا .. وهذه حال أكثر الخلق .

- علامات مرض القلب :
وللقلب المريض علامات تميزه عن غيره ؛ منها :

- أن صاحب القلب المريض يعدل وينفر دائماً من الأغذية النافعة.. ولا أنفع للقلب من هدايات الدين المتمثلة في الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

فمن آنس من نفسه هذا المعنى فليوقن بأن قلبه فيه عطب حينما ينفر من أغذية القلب كحضور مجالس العلم وتلاوة القرآن وحلقات التعليم والمدارسة ، قال الله تعالى : (( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين )) [ الإسراء: 82 ] .

- أن صاحب القلب المريض لا تؤلمه جراحات المعاصي والقبائح التي يرتكبها ولا يزال يعمل القبيح ولا يرعوي ولا يتعظ إذا وُعظ فهذا قلب محروم من التوفيق بجراح القسوة .

- بل إن القلب المريض يجد صاحبه لذة في المعصية إذا عملها ويجد راحة بعدها ولا يلدغ ضميره شيء من الندم .

- أن صاحب القلب المريض يقدم الأدنى على الأعلى ويهتم بتوافه الأمور وينسى أغلاها ويقدم العاجلة على الآجلة ، والقلب أساساُ مثل الطائر كلما اقترب من الأرض وتسفل اقترب من الآفات وكلما علا بعد عن الآفات والمكاره .

- ومن علامات القلب المريض: أن صاحبه يكره الحق ويضيق صدره به وأسوأ منه من يجادل في ذلك !.

- ومن علامات القلب المريض: أن صاحبه يكره الصالحين ويتوحش منهم ويتألف أهل المعصية ويأنس بالمذنبين .

- أسباب معينة على سلامة القلب :
وهناك من الأمور ما يعين الله به على المحافظة على القلب حتى يظل سليماً ؛ منها:

- الدعاءَ الدعاء : فهو باب من أبواب الراحة القلبية حينما يلجأ العبد إلى ربه ومولاه ؛ لأنه على يقين أنه ما بعد الدعاء إلا الإجابة .

قال الله تعالى : (( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون )) [ البقرة: 186] .

وليكثر المؤمن من الدعاء بالثبات على الدين حيث كان صلى الله عليه وسلم يلهج دوماً بهذا الدعاء: ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) ( الترمذي ( 3522) عن أم سلمة بسند حسن.

وليستعن بالله تعالى في دفع خطرات السوء إذا هيجها الشيطان أو عوارض الدنيا وليقل مع الصحابة والصالحين (( ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا )) [ الحشر: 10] واسأل الله دوماً أن يعينك على قلبك .

- حسن الظن بالناس وعدم تفسير المواقف وحملها على الظن السيئ فقد قال الله تعالى: (( إن بعض الظن إثم )) [ الحجرات: 12] وقال تعالى: (( وذروا ظاهر الإثم وباطنه )) [ الأنعام: 120] .

دخل رجل على الإمام الشافعي وهو مريض فقال : قوى الله ضعفك يا إمام . فقال الشافعي: لو قوى ضعفي لقتلني. قال الرجل : والله ما أردت إلا الخير . قال الشافعي: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير .

- الدفع بالحسنى: قال الله تعالى: (( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن )) [ فصلت: 34] وليس هذا من باب الضعف أو العجز ولكنه من الكياسة وحسن الخلق ، ثم إن ذلك يبعد الشبه التي تخطف القلب من صاحبه وتوقعه في شرك التخيلات الوهمية السامة .

- الهدية باب من أبواب صلاح القلوب بين أطراف المجتمع: فقد ورد قوله صلى الله عليه وسلم: ( تهادوا تحابوا...) أخرجه العرافي في هامش الإحياء ( 2/53) عن أبي هريرة بسند جيد.

فالهدية تذهب بسخائم القلوب وتعيد لها عافيتها ، وصدق من قال :
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم لطالما ملك الإنسان إحسان .

وأخيراً:
تعهد قلبك بالرعاية ؛ لأنه متقلب ، واختبر مشاعره وأحاسيسه دوماً واصنع له متابعات دائمة من الاكتشافات المبكر للأمراض التي تحاول الاقتراب منه .

واعلم بأن القلب لا يمكن أن يحيا بلا قوت ولا غذاء ، فكما أن البقول والفواكه والمشروبات وغيرها أغذية الجسم فالطاعة والتعلم وصنوف العبادة وغيرها من أهم الأغذية النافعة للقلب .

- واعلم بأن صاحب القلب المريض لا يرى الأشياء على حقيقتها ولا يرى الناس على حقيقتهم ولا يعرف الحياة على حقيقتها ؛ لأن العبرة ليست بنواظر العيون وإنما ببصيرة القلوب.

قال الله تعالى: (( ولقد ذرأنا لجهنم كثيراُ من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون )) [ الأعراف: 179 ] .

ويقول أبو فراس :

تالله ما الأبصار تنفع أهلها إذا لم يكن للمبصرين بصائر
أما القلب الميت فنسأل الله له الرحمة..
والحمد لله في بدء وفي ختم.

الكاتب: حسين وهدان.

خطيب وإمام مسجد أبي بكر بالبرازيل.