(6)
رمضانُ .. جئت!
وظهر هلال رمضان أخيراً..
بكت أمهاتنا وجداتنا لرؤيته، وفرح الأبناء الصغار.. وتهللوا بشراً بقدوم الفيمتو واللقيمات و(لا تهون) السمبوسة..
الفريزر امتلأ بالأطعمة المحضرة استعداداً لثلاثين يوماً حافلة بالأكل والشرب، والتسوق كان على أشدّه في السوبر ماركت.. كلٌ يدفع عربية خاصة به ليجمع أكبر قدر ممكن من المعلبات والأغذية!
كل دفاتر الطبخ خرجت مساء اليوم، تخيلا منا لفطور الغد والذي بعده.. وربما السحور أيضاً، هاتف منزلنا لم يتوقف عن الرنين ونغمات الرسائل القصيرة يتلاحق كلٌ يهنئ ويبارك شهر الصوم والرحمة.
وارتفع صوت التراويح من مسجد حارتنا.. وبدأ المسجد المكيّ بثّه الحيّ بفاتحة القرآن.. كل شيء كان حميمياً دافئاً بشهر تهب نفحاته رطبة ندية..
كنتُ أنام حتى قبيل المغرب بدقائق.. ثم أتناول فطوري بشرهٍ دون أن ينغزني شعور الجوع..
وبالتأكيد لم يكن يفعل وأنا لا أستيقظ من النهار شيئاً..! ثم أجالسُ المسلسلات والبرامج الرمضانية الهائلة. كلما انتهى شيء.. ابتدأ آخر بعده بثوانٍ..
صلاة التراويح، كنت أصليها في البيت.. أقطعها بأمور عدّة.. ثم أنهيها ثلاث ركعات قد تتقلص اثنتان أو واحدة أحياناً وإن كنت نويتها خمساً!
وأعمالٌ تتلاشى في الهواء.. وتخفّ موازيني منها.
لكن رمضان السنة.. عزمتُ على خطة جديدة.. وحياةٍ روحانية سأعيشها ولو جاهدتُ نفسي عليها.. أريد أن أشعر برمضان كما تشعر به جدتي وأمي.. وأن أبكي كما يبكون.. رقةً قلبية وروحانية.
بدأتُ بتنظيم نومي.. الاستيقاظ مبكراً شيئاً فشيئاً.. و(مقاطعة) المنتجات التلفزيونية التي لن تنتهي.. ولن تحلّ فيها مشكلة الفتى المدمن.. والبيت المشتت.. والفتاة التي تلهث خلف المال بأي طريقة كانت.. روتين مكرر، أحفظه، وينتقص مني أكواماً من الحسنات.. ثم خصصتُ مصلى (بيتوتي) في زاوية من غرفتي.. رتبته وعطرته، وفرشتُ سجادة وبجانبها مصحف نويت أن أختمه مرات.. وداومتُ على المسجد ما أمكنني..
هل تعرفين أي راحة جنيت.؟ شعوراً لا يمكن أن أصفه وقدمي تطأ العتبة الأولى للمسجد، مروراً بصوت الإمام الندي، وخشوع صلاته.. وحتى (آمين) في كل دعاء يكرره..
ومرّ رمضان.. كنتُ فيه راضية عن نفسي للمرة الأولى في حياتي لم يخرج بحسرة في نفسي.. لم أصل إلى ما كنتُ أطمح طبعاً.. لكني غيّرتُ أشياءً كثيرة.. وقتلت فيَّ عادات سيئة.. ومخالفات ماحقة.. وحلقتُ في سماء التغيير الجميل..
لكن مهلاً.. ما زال صيامي معلقاً لم يُرفع.!
وسأتجاوز – كما فعلتُ سابقا- خلل السنوات الماضية حين يأتي رمضان المقبل، وأنا لا أزال أقضي أياماً فاتتني بسبب عذري الشرعيّ..
وأجلسُ على وجل أن يكون شعبان ناقصاً فأعلق بيوم..!
تخيلي، كيف يصل بنا التهاون، إلى أمور محرمة.. و(قضاء وكفارة)..
بعد أيام العيد.. عزمت أن أبدأ بصيام أيامي.. لأبرئ بها ذمتي.. وأكون سبّاقة للخير فلا أجعل للشيطان عليّ سبيلاً، ولأعجل بتقديم أعمالي السالفات لربي.. ثم أكملتها ستاً.. لأكون كمن صام الدهر كله..
أليس رمضان مميزاً.؟
ضوء..
تقول عائشة رضي الله عنها: (كان يُصيبنا ذلك – أي الحيض – فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة).
**
مجلة حياة العدد (89) رمضان 1428هـ
--------------------------------------------------------------------------------
(7)
أختي المراهقة .. تقودني للجنون!
صراخ.. وركض، ثم تلجأ خلف ظهر والدتكِ مختبئة منك.. تطلق الأكاذيب وربما الصواب أحيانا!
هل عرفتها؟
إنها أختك المراهقة..
كثيراً ما تنشأ مشاكل وشجارات – قد تتحول لدموية لا سمح الله – حول الغرفة المشتركة وبسبب محاولاتها لأخذ أغراضك أو ارتداء بعض ملابسك وإكسسواراتك.. أليس كذلك؟
تبدو الفتاة في هذا العمر متطفلة و(ملقوفة) بالأصح.. فهي تريد دخول عالم النساء وتريد أن تبدو مثلك.. وتلبس مثلك.. وتقلدك في كثير من تصرفاتك.. ما يثير جنونك أحياناً..
تقول سميرة: (أكاد أجن من تصرفات أختي الصغرى فهي دائماً تقلدني، فإذا اشتريت عطراً اشترت النوع نفسه، وإذا اشتريت قطعة ملابس فإنها تحاول شراء نفس الموديل أو نفس اللون ما يجعلنا نبدو مضحكتين.. أصبحت لا أحب أن أذهب معها إلى السوق واشترطت على أمي أن تأخذني مرة لوحدي ومرة لوحدها تجنباً للشجار أمام الناس في السوق!!)..
وتتابع رهف الحديث بعد سميرة فتقول: (أنا أيضاً الشيء بعينه.. أختي في الصف الأول المتوسط.. تدفعني للجنون أيضاً.. إنها تريد أن ترتدي مثلي وتذهب معي لأي مكان أريد الذهاب إليه.. ودائماً تشتكي عند أمي أني لا أحبها وأظلمها.. بل إنها تأخذ ملابسي وحقائبي دون استئذان وتستخدمها أسوأ استخدام ثم ترميها على الأرض.. بالأمس أخذت قلادتي الغالية الفخمة وارتدتها لمناسبة عادية جداً دون أن أدري وحين رأيتها عليها هناك أردت أن أهجم عليها أمام الناس وأقتلعها منها لكني تماسكت!!)
مشكلة سميرة ورهف تتكرر في كثير من البيوت.. فالفتاة في هذا السن تكون متوترة ولم تنضج شخصيتها بعد.. إنها مثل الفراشة التي تريد أن تخرج من الشرنقة ولا تعرف كيف..
إذا أخذنا بيدها ووثقنا بها ومنحناها الحب ووجهناها التوجيه السليم فستخرج بأمان وستكون المرحلة مريحة لجميع الأطراف.. أما إن تركناها وأهملناها أو تعاملنا معها بعنف وقسوة.. فستكون النتيجة سيئة لكل الأطراف..
كيف تتعاملين مع هذه المرحلة الحرجة؟
تفهمي أولاً مدى التوتر والارتباك التي تعيشه في فترة البلوغ هذه، فهي تواجه أموراً قد لا تعرف كيف تتعامل معها، احتضنيها وأشعريها بالحب، واشرحي لها ما تخجل من السؤال عنه.
حاولي مساعدتها في اختيار ما يناسبها من ملابس وحلي وغيره، حتى لا تضطر لتقليدك، وعلميها كيف تختار ملابسها بذوقها الخاص، وتأكدي أنك كلما مدحتها وأثنيت على مظهرها وجمالها كلما جعلتها تشعر بالثقة أكثر بنفسها ومن ثم لا تضطر لأخذ أشيائك أو تقليدك بشكل أعمى، أيضاً اتفقي معها على معاهدة لتبادل الملابس والحلي، وحاولي بدورك أن تستعيري منها بعض الأشياء لتشعريها بإعجابك بأشيائها.
إنها بحاجة إلى شيء من الحب والصداقة والثقة والثناء لكي تتغير بشكل كبير، وسوف ترين كيف ستقل المشاجرات وتتحول أختك المشاغبة إلى صديقة لطيفة بإذن الله.
كيف أخرجها من غرفتي عندما تزورني قريبتي؟
إنها مسألة حساسة، لكن يمكنك أن تطلبي منها البقاء قليلاً في البداية، ثم اهمسي لها بأنك تودين التحدث مع صديقتك أو قريبتك لوحدكما، وحاولي مساعدتها بدورها على اختيار الصديقات الجيدات وساعديها على استضافة من في سنها من قريباتها، وامنحيها قدراً من الحرية مثلك لتشعر بأنها كبيرة وموثوق بها مع مراقبتها دون أن تشعر.
**
مجلة حياة العدد (90) شوال 1428هـ
--------------------------------------------------------------------------------
(8)
خُطبتُ.. فماذا أختار ؟!
(لا أدري.. أمهليني وقتاً للتفكير!)..
هكذا أجبت على سؤال والدتي للمرة الثانية، وهي تكرره لتحصل على موافقتي على الرجل الذي تقدم لخطبتي قبل أسبوعين..
قلبي يتسارع في نبض شديد.. ويكاد أن يخرج من صدري، لا زلتُ غير مصدقة أني بقرار الموافقة سوف أصبح زوجة فور نطقي بها، وأنني سأصبح (سيدة) بعد أن كنتُ (آنسة) وسيتعلق خاتم في يدي.. وتقام لأجلي ليلة لا يشاركني فيها أحد.. وسأغدو أميرتها!
سأدلل.. وستكون كل كلماتي مسموعة، وطلباتي أوامر.. ثم ينتهي كل شيء.. وأتدارك تفكيري..
(لا.. ليست هي مجرد ساعات قليلة.. بل هي ورطة للعمر كله.. ولا فكاك منها..)
كيف أوافق على رجل لا أعرفه؟ هل هذا الرجل مناسب لأن يكون زوجاً لي؟ وهل ستغدو حياتي سعيدة معه.. أم ستنقلب شقاء ومشاكل لا حصر لها؟ هل شخصيته مقبولة.. أو أنه ممن يحسنون الكلام فقط.. والخافي يعلمه الله؟! وما هي المعايير التي أقبله وأرفضه عليها..؟
* * *
في لحظة ما في عمرك.. ستطرحين هذا السؤال على من تثقين برأيه.. طلباً للمشورة، وإزاحة لهمّ القلق الذي يعتريك، ويعتري أي فتاة تقدم إلى خطبتها شاب توافقت أساسياتهما وبقي الرأي النهائي الحاسم الذي يتوجب عليها أن تقرره، وعلى الرغم من أن الاندفاع الفوري لتقييم الوضع المادي لزوج المستقبل وما تعد به وظيفته من رفاهية ومكانة اجتماعية، يثمر بقرار القبول أو الرفض، إلا أنه يبقى مؤشراً كاذباً وكثيراً ما يجلب للفتاة حياة التعاسة والشقاء خصوصاً إذا كان هو الدافع الوحيد فحسب، ويبقى السؤال.. كيف أختار؟
اسألي نفسكِ.. هل أنا مقتنعة بهذا الشاب الذي تقدم لخطبتي من حيث إمكانياته التعليمية.. وظروف عمله ومكانته الاجتماعية؟ لا يعني ذلك أن تطلبي الكمال في كل شيء أو تضعي شروطاً تعجيزية أو تكون متطلباتك ضرباً من الأحلام، وإنما الاعتدال واجب.. وكلّ هذه لبناتٌ أولى لعمارة بيتك وحياتك المستقبلية، ثم يأتي بعد ذلك (الميل القلبي) من شعور بالارتياح بعد النظرة الشرعية، وقبولٍ للشخص الذي أمامك، وانتفاء الشعور بالوحشة والخوف.. فالنفس مفطورة على الميل إلى من يقاربها في الطباع.. وإن لم تتفق معه في كل الجزئيات..
وماذا بعد أن اجتزتُ الخطوتين ورضيتُ بهما..؟
وهنا يأتي دور الاستشارة.. فما خاب من استخار، ولا ندم من استشار..
توددي لوالدتك.. وشاوريها، فهي قد جربت المرور بهذه المرحلة قبل، وتعرف شعوركِ حتماً.. ولا بأس من استشارة أهل الخبرة، ومن سبق له خوض التجربة ممن تثقين برأيه.. ثم انتقلي للاستخارة، فهي أدعى للطمأنينة وراحة البال، وصيغته: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كان في هذا الأمر – وتسميه – خير لي في ديني ودنياي وفي عاجل أمري وآجله فاكتبه لي ويسره لي؛ وإن كان فيه شر لي في ديني ودنياي وفي عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واكتب لي الخير حيث كان ثم رضني به)
ثم الإقدام على أمركِ، وقراركِ أيّاً ما كان.. وثقي أن الله تعالى سيختار لكِ الأفضل.. وأن ما سيأتيك من تيسير دلالات على خيّرية الأمر، أو صعوبات فذاك حجبٌ عن شرٍ قد يؤذيك..
لا تغفلي عن السؤال عنه.. فالتقصي والتحري عن الشاب أمر لابدّ منه.. السؤال عنه في المسجد، ومدى محافظته على صلاته فيها، فالملتزمون بواجباتهم الدينية هم أكثر إخلاصاً وتفانياً في إنجاح حياتهم الزوجية والحفاظ عليها وحمايتها لأنهم ينظرون إلى الزواج على أنه تعبير آخر عن التزامهم وتدينهم..
حياةً سعيدة.. ناجحة، وموفقة أرجوها لك.
**
مجلة حياة العدد (85) جمادي الأول 1428هـ
--------------------------------------------------------------------------------