عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 8  ]
قديم 2008-09-11, 12:36 AM
سارة2008
عضو متميز بالمنتدى
رقم العضوية : 45495
تاريخ التسجيل : 8 - 2 - 2008
عدد المشاركات : 1,609

غير متواجد
 
افتراضي
الوقفة السادسة عشرة: الحذر فيما يستوجب ذلك:
حين أرسل الفتية صاحبهم إلى القرية أمروه بالحذر والتوقي قائلين له (وليتلطف ولا يشعرن بكم أحداً) معللين ذلك بقولهم (إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبداً).
وأشار الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله إلى هذا المعنى فقال: "ومنها -فوائد القصة-الحث على التحرز والاستخفاء والبعد عن مواطن الفتن في الدين واستعمال الكتمان في ذلك على الإنسان وعلى إخوانه في الدين".
وفي ذلك دروس أولها: أن المسلم ينبغي له أن يفر من الفتن ويبتعد عنها،فإذا جاءت صبر وثبت، ولا يجوز له يبحث عن الفتنة ويسعى إليها؛ فذلك دليل على ثقة الإنسان بنفسه واتكاله عليها، وهذا قد يكون سببا لأن يوكل الإنسان إلى نفسه، وإذا وكل إلى نفسه ضاع.
وفي قصة أصحاب الأخدود قال الراهب للغلام: إنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدل علي، لكن لما عذب الغلام لم يستطع الكتمان فدل على الراهب، حينها ثبت الراهب، والغلام حين عذب ولم يستطع دل على الراهب، لكنه عذب على دينه فما تركه وما تخلى عنه.
والفتنة قد لاتكون تعذيبا وإيذاء ، بل سائر فتن الشهوات والشبهات يشرع للمسلم أن يفر منها فحين تقع فليثبت وليصبر.
لكن الفرار من الفتن لا يجوز أن يدعو المرء إلى أن يرتكب ما حرم الله، أو يدع ما أوجبه والنظرة المتكاملة لهذه القضية تمنع الإنسان من الشطط هنا أو هناك، من الغلو في النظرة إلى الجانب الآخر وثقته وإفراطه بنفسه أو من الغلو من مسألة الفرار من الفتن فيرتكب من الحرام مالا يسوغ له بحجة الفرار من الفتن.
الوقفة السابعة عشرة: الشح بالدين والحرص عليه:
لقد كان الفتية حريصين على دينهم وشحيحين به، لذا فروا من قومهم واختفوا في هذا الكهف، وأرسلوا واحداً فقط من أصحابهم ليكون أبلغ في التخفي، وأوصوه بالتلطف والحذر. والحرص على الدين والشح به مما عده الحافظ البيهقي من شعب الإيمان.
فينبغي للمسلم أن يشح بدينه، وأن يكون حريصا عليه، والأمر لايقف عند هذه الصورة القريبة فقط، فالشاب الذي يشعر أن التطلع إلى صورة عارية، أو إلى مجال فيه سفور وتبرج، أوصحبة لفلان من الناس، الذي يشعر أن هذا قد يسبب له فتنة في دينه فشحه بدينه وحرصه عليه ينبغي أن يدفعه ترك هذه المؤثرات والبعد عنها
الوقفة الثامنة عشرة: العواقب لا يعلمها إلا الله:
لقد كان هؤلاء الفتية يحذرون من عثور قومهم عليهم، ويعتقدون أن هذا الأمر ليس خيراً لهم، لكن حين عثر عليهم قومهم صار الأمر غير ذلك؛ فالعواقب لا يعلمها إلا الله.
إن الواجب على المسلم أن يأخذ الأسباب ويتعامل مع الأمور الظاهرة الواضحة، ثم يكل الأمر إلى الله ويسلمه إليه، فكثيراً ما يحرص المرء على أمر عاقبته ليست خيراً له، أو يقلق على ما تكون عاقبته حميدة من حيث لا يشعر، كما قال عز وجل وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم) وقال: (فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً).
وهاهو سراقة بن مالك لما لحق النبي r وصاحبه وهما مهاجرين، خشي أبو بكر - رضي الله عنه – من لحوقه بهم، وكان يتمنى ألا يدركهم، لكن حين أدركهم أصبح يصد الناس عنهم؛ فمن لقيه في طريقه قال له: لقد كفيتم ما هاهنا، فكان أول النهار طالبا لهم عين لهم وآخر النهار صاداً؛ فصار لحوقه بهم خيراً لهم في حين كانوا يظنون خلافه.
والنموذج الآخر في صلح الحديبية، فقد اعترض المسلمون على شروط الصلح، وأشد ما اعترضوا عليه منه: اشتراط إعادة من فر من المسلمين إلى المشركين، وثبت فيما بعد أن هذا الصلح كان خيراً للمسلمين، وكان هذا الشرط بالأخص خيراً للمستضعفين من المسلمين وسبباً في نجاتهم، وجاء المشركون يطلبون من النبي rملحين عليه أن يتنازل عن هذا الشرط.
والنموذج الثالث في قصة عائشة رضي الله عنها حينما قذفت بالفرية العظيمة، ولم يدر في خلدها رضي الله عنها أن الأمر خير لها، بل لم يكن أحد يظن أن قذف عائشة رضي الله عنها ستكون عاقبته خيرا لها.
ثم نزلت براءتها في آيات تتلى إلى يوم القيامة، وفيها قوله تعالى لاتحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم) وأجمع أهل العلم بعد ذلك أن من قذف عائشة رضي الله عنها، فقد كفر وكذَّب الله عز وجل.
الوقفة التاسعة عشرة: عبرة في زوال الدنيا:
حين استيقظ الفتية تساءلوا عن لبثهم، فقالوا يوماً ثم استدركوا قائلين: بعض يوم، وهذه حقيقة الدنيا فهي كلها بما فيها ستتحول يوم القيامة إلى ساعة من نهار، وسيكون منطق أهلها حين يبعثون كمنطق الفتية حين استيقظوا (ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم).
هذه بعض الوقفات وهي -كما قلت - ليست تفسيراً لهذه السورة ولا لهذه الآيات، إنما هي إشارات وعبر، وكلما قرأنا هذه الآيات ووقفنا عندها سوف نستنبط منها دروساً وعبراً أعجب وأعظم مما يبدو لنا، وهذا من عجائب القرآن الذي لا تنقضي عجائبه، ولا يمل منه الإنسان، وكل يوم يتدبر فيه ويتلوه يستنبط فوائد جديدة لم يكن يستنبطها من ذي قبل، وهذا كلام الله عز وجل لا يمكن أبداً أن يقاس بكلام خلقه.
أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم جميعاً وأن يهدينا وإياكم إلى صراط مستقيم إنه سميع مجيب هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد

تم بحمد الله وتوفيقه. (
منقول للفائدة)


توقيع سارة2008


سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم