عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2008-08-31, 2:12 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
الفطرة السليمة
ومن جهة أخرى تؤكد أ. سحر المصري، مديرة جمعية "مودة للإرشاد الأسري"، في طرابلس، أن الفطرة السليمة هي التي تُشكل أخلاق الطفل؛ فتقول: "كلُّ إناء بما فيه ينضح" مَثَلٌ نردِّده دائمًا، حين يصدر ما يُسيءُ مِن شخصٍ ما؛ لنرمز إلى أن هذه الأقوالَ والسلوكياتِ إنما هي نتيجة المخزون الفكري والخُلُقي لدى هذا الشخص، ولئن كان المولود يولَد على الفطرة؛ كما أكّد الحبيب - عليه الصلاة والسلام - فمَن ذا الذي يتسبَّب في انحراف أخلاقه وبالتالي تصرفاته؟!

لا شك أن هناك عواملَ كثيرَةً تُساهِم في هذا الأمر، وأوَّلها الأهلُ؛ حيث إنهم المسؤولون ابتداءً عن تربية وتهذيب أبنائهم، ثم تصحيحِ مسارهم إن هم أخطؤوا، فمن الأمور المعيبة اجتماعيًّا أن يتلفَّظ الأطفال بكلماتٍ سيئةٍ، غيرِ مقبولة دينيًّا أو اجتماعيًّا، ولكن دعونا نقف على بعض الأمور المتعلِّقة بهذا الموضوع:

- كيف يكتسب الأطفال الألفاظ النابية؟

- كيف نستطيع ردع الأطفال عن التلفُّظ بها؟

- كيف نتّقي ظهور مثل هذه المشكلة؟"


مصادر تلقى الأطفال
ثم تُردف أ. المصري، قائلةً:
"لا شك أن هناك مصادرَ، يَستَقِي منها الطفل مفرداته، وأهمها:
* الأهل في البيت: وهذا يُعتَبَر المصدر ، خاصة في السنين الأولى من عمر الطفل؛ حيث يردِّد الكثير من المفردات، دون وعيٍ منه عن معاني هذه الكلمات، فحين يسمع والِدَيه يتلفَّظان بكلمات يردِّدها تلقائيًّا.

* المحيط الاجتماعي: وقد يستقي مفرداته من الأقارب، والأصدقاء، والعائلة، أو الجيران حين يحتكُّ بهم الطفل؛ فيتعلم منهم بعض الألفاظ.

* الحضانة ثم المدرسة: فلهذه الأماكن تأثير مباشر على لغة الطفل؛ لأنه يحتك بالأطفال فيها، ويتعامل معهم، ويتعلَّم منهم.

* الإعلام: ولعلَّه الأخطر؛ نتيجةَ انكباب الأطفال على متابعة البرامج التلفازية، والتي تذخَر بالألفاظ السيئة، حتى في تلك البرامج المخصَّصة للأطفال، مع أنهم عادةً لا يعكفون عليها فقط، وإنما يتعدَّون ذلك إلى البرامج الأُخرى المخصَّصة للكبار، في ظل غياب مراقبة الأهل، وانشغالهم عن أطفالهم بمسؤوليَّاتهم الأُخرى، وهنا يكمن خطرُ استقاء الطفل لهذه الألفاظ غير المقبولة، وربما أيضًا القِيَمِ الغريبة عن ديننا ومجتمعاتنا.

وقد يضيف البعض مصادر أُخرى؛ كالخادمة، أو السائق، أو الشارع والحدائق؛ حيث يمكن أن يتلقَّى الطفل منهم بعض الألفاظ السيئة أيضًا.

فحين يسمع الطفل لفظًا ما، من أبيه، أو أمه، أو من المصادر الأُخرى، وهو بعدُ صغير، لا يملك مفاهيم هذه الألفاظ، بين (3 و5) سنوات، فقد يردِّدها؛ كتقليد، أو ليُسعِد أهله باقتباس كلمات منهم، وبذلك يكون ترداده لها للَفْت الانتباه إليه، خاصة إن كان قد تابع وقْع هذه الألفاظ على مَن حوله، حين سمعها أولاً من الكبار، فيقوم بتقليدهم؛ ليُحدِث نفس التأثير هو الآخر، ولكن يختلف الوضع حين يكون كبيرًا، خاصة إن تعدَّى الست سنوات، فهو يعي المفاهيم، وحين يردِّدها لا يقولها فقط لِلَفْت الانتباه إليه، وإنما لإثارة غضب وحفيظة الأهل، واستفزازهم حينما لم يستجيبوا لمطالبه، أو يهتموا به، أو ربما يكون ذلك لمجرد الإيذاء، ولكلٍّ منهم طرقًا في المعالجة".


اعتقاد خاطئ
ثم تنتقد أ. سحر المصري الربطَ بين الوضع الاجتماعي والانحراف الأخلاقي، فتقول: "وقد يعتقد البعض أن هناك علاقةً بين الوضع الاجتماعي للعائلة وبين التلفُّظ بالكلمات النابية، فيَتصوَّر أن الفقر هو سبب مباشر للأخلاق الوضيعة، وهذا بالطبع مقياس خاطئ، ولا يمكن ربط الوضع المادي بالأخلاق أبدًا، فانعدام التربية منذ الصِغر، وعدم متابعة الأهل لسلوكيَّات أبنائهم، وتركهم فريسة سهلة للمجتمع ومؤثِّراته تنهش بهم - هو العامل الأساس لتردِّي مستواهم الخُلُقي".


المعالجة تتطلب
وتُوضح أ. المصري سبل معالجة هذه الألفاظ النابية لدى الأطفال بقولها:
"ولمعالجة هذه الظاهرة، وردع الأطفال عن التلفظ بالسباب، والشتائم، وغيرها من المفردات غير المقبولة، فيمكن انتهاج الآتي:
يجب - أولاً - تحديد المصدر الذي يستقي منه الطفل هذه اللغة المرفوضة، ولربما استغرق هذا الأمر بعض الوقت، ولا بأس بذلك، طالما أن المراقبة ستؤدي إلى تحديد دقيق للمصدر، فإن حَدَث، وتم تحديده، فعلى الأهل اتّخاذ الخطوات المناسِبة؛ لمعالجة الموضوع، ومن أهمها:

- شرح الألفاظ السيئة، إن كان الطفل لا يعرف معانيَها، وإخباره أن هذه الكلمات لا يجب أن يتلفظ بها؛ لأنها غير مقبولة، وتؤذي الآخرين، الذين سيبتعدون عنه؛ نتيجة هذه الألفاظ.

- تحذير مَن يستطيع الأهل الوصول إليهم؛كالخدم والسائقين: أن لا يتلفَّظوا بهذه الألفاظ أمام الأطفال.

- عدم معاقبة الطفل جسديًّا إن أصرَّ على قولها؛ لأنه بذلك سيُصرُّ أكثرَ عليها، وإنما التفتيش عن سبب هذا الإصرار، وفتح قناة اتصال مع الطفل؛ ليتم التفاهم بينه وبين الأهل.

- عدم التعرُّض لشخص الطفل بالإهانة، والتأكيد على أن الخطأ هو في القول، وليس في الشخص؛ حتى لا يفقد قبوله لذاته وتقديرَه لها.

- تجنب الرسائل السلبية في عملية تصحيح مسارهم.

- إعطاء الأهل لطفلهم نموذجًا عن القدوة الصالحة، وعدم تلفظهم نهائيًّا بهذه الألفاظ، فيُعتَبَر الوالِدان المبرمِجَ الأساسَ لسلوك الطفل.

- عدم تشجيع الطفل، والضحكِ أمامه، حين يتكلم بألفاظ غير مقبولة، مهما كان عمره.

- اتباع وسيلة التربية بالقصص الهادفة؛ لترسيخ القِيَم والسلوكيات الصحيحة عندهم.

- التأكيد على تشجيع العادات والسلوكيات الحسنة، وعدم التركيز فقط على العادات السيئة.

- الثناء على التحسُّن الذي يُظهِره الطفل، إن خفَّف من استعمال الألفاظ النابية؛ لتحفيزه على بذل جهد أكبر للتحسن.

- قطع علاقة الطفل بالمصادر، التي يستقي منها هذه الألفاظ إن أمكن.

- محاولة تغيير اللفظ بعد صدوره، وإعطاء لفظ آخر مقبول.

- أحيانًا يكون التجاهُل هو أنجع الحلول؛ لأنه لن يتشجَّع لإعادة التلفظ به.


التعامل مع الطفل ابتداء من 5 سنوات
وتُضيف أ. سحر:
طريقة التعامل مع الأطفال، ابتداءً من سِنِّ الخامسة؛ فتقول: "إن كان الطفل كبيرًا، ولديه القدرة على استيعاب ما يدور حوله، ابتداءً من 5سنوات، فيمكنكم كأهلٍ أن:
- توضِّحوا له أن المسلم خلوق، وأن هذه الألفاظ تؤدِّي إلى غضب الله - جل وعلا.

- تعقِدوا جلساتٍ بينكم وبينه؛ لتحديد: ما المقبول، وما المرفوض اجتماعيًّا، خاصةً في مجال الألفاظ؟

- تناقشوا معه سبل التخلص من عادة الكلام غير الجيد.

- تخيِّروه بين أنواع العقاب، التي عليكم تطبيقها في حال لم يَنْتَهِ عن هذه العادة.

- تُصَحِّحُوا له العقلية والنفسية؛ حتى لا تكون استجابته لرغباتكم في الانتهاء عن استخدام هذه الألفاظ بدون وعْيٍ كامِلٍ، فيَعود إليها.

- تحاولوا تعريفَه على أطفال معروفين بالصلاح والخُلُق، وتقريبَه منهم؛ ليساعده ذلك على تعديل سلوكه.

- تتواصلوا مع إدارة المدرسة؛ لتتكامل الجهود في محاولة الإصلاح.

- تتأكدوا أن الطفل لا يعاني من مرض "التوريت"؛ حيث لا يستطيع المريض التحكم بما يتلفَّظ به من كلمات نابيَة.

- تُخبِروه أن من قوانين البيت عدم التلفُّظ بهذه الكلمات، وأنه ملزَم بهذه القوانين، ولا تسامُح في خرقها.

- تساعدوه على التعبير عن غضبه أو استيائه بطريقة أفضل، وبدون كلمات نابية، إن كان يستعملها عند الغضب.

- تقطعوا كل علاقة له برفقاء السوء؛ فقد يكون تلفظه بهذه الكلمات؛ محاولة منه للاندماج معهم، وقبولهم به ضمن الفريق.

- تَتلُوا على مسامعهم الآيات والأحاديث، التي تحثُّ على حسن الخلُق، مثلُ: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]، و((سباب المسلم فسوق))، و((وهل يُكَبُّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم))، و((ليس المسلم بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء))، وغيرها.

- تبيِّنوا لهم فضائل حُسْن الخلُق في الإسلام، وأنه ما من شيء في الميزان أثقل من خلُق حسَن.

- تُكثِروا من الدعاء لهم: اللهمَّ، كما حسَّنت خَلْقَهم، فأحسِن خُلُقهم".


التربية هي الوقاية
ثم تُبَيِّنُ أ. المصري: أن التربية هي أساس الوقاية من هذه المشكلة؛ فتقول: "أما كيف نتَّقي ظهور مثل هذه المشكلة، فهنا بيت القصيد؛ إذ من الضروري اعتماد مبدأ "الوقاية خيرٌ من العلاج"، والإسلام أرشدنا إلى ضرورة التربية منذ الصِغَر، حين يكون الطفل كالعجينة يتم تشكيلها بسهولة، ويتميَّز بالفطرية، وسرعةِ الاستجابة للأهل.

والتربيةُ الأخلاقية والأدبُ من أهم الأمور، التي يجب أن يُعْنَى الأهل بغرسها في أطفالهم، فينشؤون على ما تعوَّدوا عليه؛ وبالتالي: تكون سلوكيَّاتهم نتيجة طبيعية لما تربَّوا عليه من آداب وقِيَم.

وفي أولى سَنَوات الطفل، قد لا يستطيع إدرَاك المفاهيم المجرَّدة؛ كالدين، والحلال، والحرام، ولكن الأهل يُوضحون له: ما المقبول؟ وما الخطأ؟ عن طريق تربيته، وحين يشتد عُودُه، ويبدأ أفُقُه بالاتِّساع، حِينَها يكون على الأهل ربطه بالله - جلَّ وعلا - وزرع بذور مراقبَتِه له طَوَال الوَقْت، فَيَنْشأ عَلَى مَبْدَأ: "الله ناظري، الله شاهِدِي، الله مطَّلِعٌ عليَّ"؛ وفي الحديث الذي رواه الترمذي، عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كنت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - يومًا، فقال: ((يا غلامُ، إنِّي أُعَلِّمُك كلمات: احفظ الله يحفَظْك..)) إلى آخر الحديث؛ فإن الرسولَ- صلى الله عليه وسلم - توجَّه بهذه الكلمات لغلام، وليس لرجل، فهذه لفتة نبويَّة مباركة إلى ضرورة تولِّي الصغار بالعناية والتربية، وربطهم بالله - جل وعلا - فالفضائل الأخلاقية هي ثمرة طبيعية للإيمان بالله -جل وعلا - وإنَّما أُرسِل الحبيب - عليه الصلاة والسلام - ليتمِّم مَكارِمَ الأخلاقِ.

فحِينَ يتربَّى الطفل على حب الله -جل وعلا - وحبِّ رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى شرع الله القويم - يُصبِح تَوجِيهُه أسهل على الوالدين؛ لأنه سيَكْفِيهِما أن يقولا له: "إنَّ الله - جلَّ في علاه - لا يرضى عن هذا الخُلُقِ"؛ ليَنْتَهِيَ عنه ولا يعُود، حتى وإن غاب الوالدان؛ لأنَّهما زرعا الوازِعَ الديني في طفلهما، بل إنه بالتربية الدينية الصحيحة يُقبِل بنفسه على الخير، ويتلقَّف كل الأوامر الدينية والنواهي بشغف وانصياع".


نصائح مهمَّة للأهل
ثم تؤكد أ. المصري على: أهمية اتزان الأهل أمام طفلهم؛ فتقول: "يجب على الأهل الإبقاء على اتّزانهم وهدوئهم، حين معالجة السلوك السيئ لأطفالهم؛ لئلا يخرجوا من دائرة العلاج إلى دائرة ردِّ الفعل، وبذلك لن يصلوا إلى نتيجة إيجابية مع أطفالهم، ومن المهم أيضًا التفكير في غايات الطفل في إساءته، ودوافعه في انتهاج هذا السلوك غير المقبول، وقد يُنصَح الأهل بالتَّصرُّف بطريقة مخالِفة لِما يَتَوَقَّع الطفل؛ حتى لا يكرِّر نَفْسَ السُّلوك المنهِي عنه، وفي حالتنا هنا التلفظ بالكلمات النابية، ولكلِّ طفلٍ مفتاحه الخاص، فعلى الأهل اكتشاف الطريقة المثلى؛ للتعامل مع كل طفل، بناءً على طبيعة شخصيته، ونفسيته، وصفاته.

كما أنَّ على الأهل بناءَ جسور تواصل مع الأبناء، وعدمَ انتظار وقوع المشاكل؛ للبحث عنها، ومن ذلك:
1- قضاء الوقت معهم.

2- والإنصات إليهم.

3- وإشعارهم بالاهتمام، والحنان، والأمان، وأنهم دائمًا على استعداد لتأييدهم ودعمهم.

4- وكذلك فتح نَفَق إلى قلوبهم؛ لمعرفة مشاعرهم، وترسيخ لغة الحوار الأسري.

5- وأيضًا إيجاد قنوات اتصال بين الأهل والأولاد، بصفة يومية.


(تعليق :

تنبيه هام على قول الأستاذة سحر المصري في مسألة شرح الألفاظ السيئة:

هناك بعض الألفاظ السيئة التي لا يمكن شرحها للطفل؛ لتضمُّنها من المعاني ما لا يسوغ ذكره إلا في مرحلة عُمْريَّة معينة، فيُكتفى حينئذٍ بتنفير الطفل منها لشناعتها. وأحيانًا يكون الطفل غير قادرٍ أصلاً على استيعاب مضمون بعض الألفاظ القبيحة؛ لافتقار مخزونه العقلي إلى معرفة مقدِّماتها الممهِّدة لها.. ونحو ذلك.

الالوكة