عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2008-08-11, 12:25 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
* أفضل التدابير:
إذا كانت الدراسات الإحصائية والأبحاث المتعلقة بإنفاق المرأة وإعالتها للأسرة في كثير من الحالات أثبتت قدرتها على تحمل مشاق العمل والقيام بمسؤوليتها تجاه بيتها وأسرتها إلا أن رياح عاصفة واحدة في منزل الزوجية كفيلة بسحق ما جادت به حين يطالها الطلاق لتبقى رهينة محبسين: أولهما الإقصاء، وثانيهما نكران مالها، فكيف تتصرف المرأة حينها؟ وما التدابير التي تتخذها لضمان حقوقها المالية؟

الدكتور محمد عبد الرحيم- أستاذ الشريعة والقانون- يرجع ذلك إلى طبيعة الزوج وضعف المرأة وعدم قدرتها على الدفاع عن حقوقها، فالإسلام قد أحل للمرأة المكانة اللائقة بها في جميع المجالات، ومنها مجال الحقوق المالية، إذ جعلها بعد بلوغ سن الرشد كاملة الأهلية المالية، ولم يجعل لأحد عليها ولاية، ولا يجوز للزوج أن يتصرف استقلالاً في مال زوجته، أو أن يأخذ شيئاً من مهرها، أو ميراثها، أو راتبها، إلا إذا طابت به نفسها ووهبته إليه بطيب نفس منها دون كره أو إجبار.

وعن أفضل التدابير لضمان حقوق المرأة المالية يؤكد الدكتور محمد أن القول بأن الثقة المتبادلة بين الزوجين والمحبة بينهما أكبر من أي توثيق أو إشهاد هي عبارة حق يراد به باطل، إذ لا ينقص من حق الزوج ولا من كرامته أن يزود زوجته بما يضمن لها حقها، والأصل في العقود والمعاملات المالية بين الناس كتابتها ويستشهد في ذلك بما ورد في "آية الدين" في سورة البقرة وهي أطول آية في القرآن الكريم وفيها يأمرنا الله عز وجل بكتابة ما نجريه من معاملات وعقود، حفظاً للحقوق من الضياع، ومنعاً لحدوث الشقاق والمنازعات.

* رأي القانون:
فيما يتعلق بموقف القانون من التعاملات المادية بين الزوجين يشير أسامة العشماوي- المحامي والمستشار القانوني- إلى أن سبب تعرض المرأة للاستغلال المادي من جانب الزوج هو عدم وضع ضوابط واضحة منذ البداية في ما يتعلق بالتعاملات المادية بين الزوجين، وهذا ليس عيباً فالزوجة حينما تقول لزوجها: "هذا ميراثي" أو "هذه الأموال خاصة بي" وتجعلها بمعزل عن أموالهما الزوجية المشتركة، فإنها بهذه الوقفة الصريحة ترسم حدوداً واضحة تجنبهما كثير من المتاعب والأزمات، بشرط أن يكون ذلك باتفاق ورضا الطرفين .

ويقول العشماوي: إن التحايل على الزوجة بهدف استغلالها ماديّاً يدعى في القانون اختلاق أكاذيب، وهذه الأكاذيب تكون معقدة ومؤيدة بتصرفات معينة توحي للمرأة بأن زوجها في حالة من الضيق والحاجة، بحيث يستحوذ على أموالها، وهنا تتضرر المرأة بسبب فقد بعض أو كل أموالها، فضلاً عن الضرر النفسي الذي يلحق بها جراء خيانة زوجها الثقة التي منحته إياها، وفي هذه الحالة تكون أمام خيارين: الأول أن تطلب الطلاق والانفصال عن زوجها، والثاني أن تتناسى ما حدث وتحاول أن تكيف حياتها على هذا الأساس، مع مراعاة الحرص في تعاملاتها المالية مستقبلاً مع الزوج .

ويضيف المستشار العشماوي أن المرأة بطبيعتها أقل رغبة في الشكوى للمحاكم مما قد تتعرض له أو تعانيه من استغلال وظلم من جانب زوجها، وذلك من باب الحرص على كيان الأسرة واستمرار العلاقة الزوجية ولهذا فإن القليل النادر من مثل هذه القضايا يعرض على المحاكم، ويحل غالباً بالتسوية الودية، أو بتدخل الأهل والأصدقاء، أو بالمعالجة من الأصل عند ظهور خلاف في المراحل الأولى من الزواج.

* قليل من الفراسة:
تؤكد سيدة الأعمال نهلة منصور أنه ليس مطلوباً من المرأة أن تكون محامية أو سيدة أعمال، كي تحمي حقوقها فالمسألة أسهل من ذلك بكثير وتقول إن قليلاً من الفراسة والتفكير المنطقي هما كل ما يلزم، أما الثقة العمياء مرفوضة سواء أكانت بداعي حسن النية، أم الخجل أم الكسل أم الجهل، وما إلى ذلك من مبررات "واهية" قد تخدع بها المرأة نفسها .

وتشير إلى أنه لا يوجد ما يمنع المرأة من التحوط، فتأخذ حذرها في حدود "معقولة" بحيث تضمن حقوقها بما لا يخدش كرامة وكبرياء زوجها، "فمثلاً وبدلاً من التوكيل العام، يمكنها أن تكتب له توكيلاً خاصاً، بحدود معينة للتصرف".

وتؤكد نهلة منصور أن الزوج هو كل شيء بالنسبة إلى زوجته، ولذا لا ينبغي أن يفهم من كلامها أن جميع الرجال ليسوا أهلاً للثقة؛ بل على العكس، فإن معظمهم كذلك، ولكن المشكلات المادية تظل وراء كثير من الخلافات الأسرية وحالات الانفصال والطلاق والهجر .

* في السراء والضراء:
يؤكد الدكتور علي ليلة - أستاذ الاجتماع - أن الأصل في الأسرة أن تقوم على التكامل بين الزوجين، والإسهام بينهما في السراء والضراء، فالزواج شراكة إنسانية في أسمى معانيها، هذه الشراكة تقوم على التعاون والرحمة والإيثار والتضحية بين طرفي الزواج، أما إذا كان بينهما الأنانية، وتسلطت المصلحة المادية على المصلحة العامة للأسرة فسدت العلاقات الزوجية واضطربت الأسرة وخرَّجت للمجتمع أبناءً وفتياتٍ غير أسوياء، وأشار الدكتور ليلة إلى أن الزوجة ما دامت تعمل فلابد أن يعود ناتج أو بعض ناتج عملها (المرتب) للأسرة، ويكون إسهامها في نفقات البيت على حسب درجة ارتباط الزوجة بالأسرة، ورغبتها في الارتقاء والنهوض بها في مختلف أوجه الحياة، وهذا الإسهام يكون تعويضاً عن التقصير الذي ينتج من غيابها لساعات طويلة خارج البيت التي هي حق الزوج والأسرة.

أما إذا امتنعت الزوجة عن الإسهام بجزء من مرتبها في نفقات بيت الزوجية، وتمسكت بضرورة إسهام الزوج في أعمال المنزل فهذا غير مقبول منها على الإطلاق، ففي غياب المشاعر الإيثارية وقيم التضحية والعطاء في الأسرة لا تقوم حياة زوجية سعيدة ومستقرة، وحتى يتحقق هذا لابد أن يحرص كلا الزوجين على إسعاد زوجه بأي طريقة من طرق التضحية.

ويشير الدكتور أحمد أبوالعزايم- أستاذ الطب النفسي ورئيس جمعية حل الصراعات الأسرية بالقاهرة- إلى أن مسألة الإنفاق على بيت الزوجية وإسهام الزوجة العاملة فيه من أهم الموضوعات التي توليها الجمعية اهتماماً بالغاً، وتتدخل الجمعية لحل هذه المشكلة لأكثر من 60% من الأسر المصرية.

وقد أظهرت كل الدراسات النفسية- التي أجريت على آلاف العينات التي تعاني هذه المشكلة- على أهمية وضرورة إسهام الزوجة العاملة بجزء من مرتبها في نفقات البيت، وكلما كان هذا الإسهام فيه نوع من الرضا والسماحة كان التفاهم والاستقرار أكثر، وكانت السعادة والاستقرار هي سمات الأسرة العربية، سواء أكانت في مصر أم في غيرها من البلاد العربية أم الإسلامية.

* الثقة والفضل:
الدكتور أحمد عبد الله- أستاذ الطب النفسي- يقول: الأصل في إدارة شؤون الأسرة سواءً في الاقتصاديات أم في غير ذلك، إنما يقوم على الثقة والفضل، قال الله تعالى: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: من الآية237]، وفي إطار هذه الثقة، وفي ظلال هذا الفضل نتوقع من الزوجة أن تساهم بمقدار معقول تقدّره هي حسب ظروف البلد، وحسب احتياجاتها الأخرى التي تقوم بقضائها من ملبس وغيره باتفاق مع الزوج، وإذا كنا نرى أن العمل المناسب - الذي لا يجور على حق البيت والأسرة– هو مكسب حقيقي للمرأة وللأسرة وللمجتمع؛ فإننا في الوقت ذاته نرفض أن يكون هذا العمل مدخلاً لإحداث الخلل في بنية الأسرة، ويحدث هذا الخلل حين يغيب الحوار بين الزوجين حول مسائل الحياة ومنها النفقة، وفي الغالب فإن الرجل الكريم القادر لا يطلب من زوجته مالاً ينفق منه على البيت، وكذلك فإن المرأة الكريمة القادرة لا تنتظر تنبيهاً من أحد يدفعها أن تساهم في نفقات الأسرة؛ لأن هذا الكيان المشترك الذي يتكون من الأب والأم والأطفال- صغروا أم كبروا- مسؤولية مشتركة، تقوم فيها المرأة بالدور الأكبر في الرعاية والتربية، وتساعد ببعض المال بحسب الظروف والأحوال، مع أن الأصل الذي نميل إليه هو أن الرجل هو المسؤول عن الإنفاق بالكامل - على قدر دخله - ولو كانت زوجته ذات مال.

بإمعانِ النظر في النصوص الشرعية نجد أنّ الإسلام حمى مال الزوجة؛ فلم يجعل ليد الزوج عليه من سبيل؛ فأبقى لها حريّة التصرُّف في مالها إذا كانت عاقلة رشيدة، وليس للزوج حق في أن يتناول منه درهماً واحداً إلا عن طيب نفسها، وليس له حق في منعها من أن تتصرّف في مالها على وجه المعاوضة كالبيع والقرض والإجارة ونحوها، وليس له الحق في منعها من أن تنفق منه أو تنفقه على وجه التبرع كالصدقة والهبة.

ولا يعني ذلك أن تقبض المرأة يدها عن إعانة زوجها، كما لا يعني تصرُّفها في مالها أن تدع استشارة الزوج والاستنارة برأيه؛ بل اللائق بها أن تستشيره في شؤونها، وتعينه على نوائب الدهر خاصة في هذا العصر حيث خرجت المرأة للعمل، مما يكلّف الزوج الكثير.

فعليها أن تسدد وتقارب محاولة إرضاء زوجها مقابل تحمله لبعض التقصير منها في أداء حقوقها وإهمال أبنائها وبيتها. فله عليها حق من مالها وخصوصاً إذا كان ذا دخل محدود، فأين ستصرف راتبها إذا لم تساهم بجزء منه لزوجها وبيتها؟! لذا يمكنها أن تساهم في نفقة البيت وتعاون زوجها وتحمل عنه جزء من الأعباء الاقتصادية للأسرة. فذلك مما ينمّي الأُلفة ويرسِّخ دعائم المودَّة.

* الزواج الوقائي:
يشير الخبراء والمختصون إلى أنه إذا وصلت الأمور بين بعض الأزواج والزوجات إلى حد كبير من الخلاف والشقاق حول مسألة الإنفاق؛ فيجب أن يكون هناك خطة للعلاج على المدى الطويل، تشترك فيها وسائل الإعلام المختلفة، وكذلك المدرسة؛ بحيث تكثف التوعية من خلال هذه الوسائل على قيم الترابط والتماسك والتراحم والتعارف والإيثار والتضحية، فلا مانع للمرأة من العمل، وأن يكون لها دخل خاص بها، وأن تكون ذمتها المالية مستقلة عن زوجها، ولكن الإسهام في نفقات بيت الزوجية يعمل على بقاء الأسرة على قيم المودَّة والتراحم والتعاون والحب.

وتقع على المؤسسات المختلفة مسؤولية كبيرة في التوعية الدينية لتعريف الأزواج بحقوق كل منهم تجاه الآخر، وتبصيرهم بمسؤولياتهم الزوجية، مع ضرورة وضع برنامج (زواجي وقائي) لمراكز خدمة المجتمع، وفي المرحلة النهائية من الثانوية العامة للبنين والبنات ليعوا دورهم بحقيقة العلاقة الزوجية، وكيفية مواجهة الكثير من المشكلات بمختلف أنواعها ومنها كيفية التعامل مع رواتب الزوجة التي أصبحت من المشاكل التي تهدد استقرار الأسرة.