الموضوع: نقطة وسطر جديد
عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2008-08-07, 2:36 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي نقطة وسطر جديد

نُقطَة .. وسَطر جَديد





رجاء محمد الجاهوش








عِندَما تَنتَهي بِنا الجُملَة ـ أثناءَ الكِتابَةِ ـ في نِهايَة السَّطرِ نَضَعُ نُقطَة ثُمَّ نَنتقِلُ إلى سَطرٍ جَديدٍ ..

نقومُ بهذه العَمليَّة بشكلٍ تلقائي ، ودونَ تَعنُّت مِنَّا في رَصِّ الحُروفِ على السَّطرِ الأوَّلِ ، وذلكَ لأننا أدرَكنا ـ تمام الإدراكِ ـ أنَّ السَّطر لَم يَعدْ يَتَّسع لحَرفٍ جَديدٍ ، وما عادَ يَحتمِل مِن الكلماتِ ما يُشكِّل جُملة مُفيدَة ذاتَ مَعنى جَميل ، فيأتي السَّطرُ الثاني بمَثابةِ فرصَةٍ ثَمينةٍ تَهَبُ حُروفنا الحَياة مِن جَديدٍ !

لكن ؛ ماذا لَو أصَرَّت الحُروفُ عَلى أنْ تُكتَبَ كلّها عَلى السَّطرِ الأوَّلِ وانْصاعَ القلمُ لرغبتِها ؟

فراحَ سِنُّ القلمِ يَقطعُ المسافة بين أوَّل السَّطرِ وآخره جِيئَة وذِهابًا بَحثًا عَن فُُرْجَةٍ يَدسُّ فيها حروفَهُ ، تُرى هَلْ سَيتَحقَّق له ما يُريد ؟

النَّقطة والسَّطرُ الجديدُ وإصرار الحُروفِ على ألاَّ تَبرحَ السَّطرَ الأوَّل تُذكِّرني بتَجاربِ المَاضي الفاشِلة التي تُخيِّم بقُتمتِها على قلوبِ البَعضِ ، فيَنغَمِسونَ فيها حَدَّ الغَرقِ !

أسرَى هُم لأحزانِهم وإحباطاتِهم ، وإذا ناداهُم مُنادِ الأمَلِ أشاحوا بوجوهِهم عَنه ، وأصَمُّوا آذانَهم ، ثمَّ مَضوا مُهروِلين إلى حَيثُ يَقبَعونَ دائِمًا في تِلك الزَّاويةِ الكئيبَةِ في غُرَفِهم المُنزَويَةِ ، لا يَقوونَ عَلى فعلِ شَيء سِوى البُكاءِ والنَّحيبِ عَلى ما فاتَ ، والأسى عَلى ما هو آتٍ ، مُكبَّلينَ بالعجزِِ وقلَّةِ الحيلَةِ وسُوءِ التَّدبيرِ !

نَظرهم قَصيرُ المَدى وفي اتجاهٍ واحِدٍ ـ كأنَّ داءَ التَّصلُّبِ أصابَ رَقبَتَهم ـ ، وإذا سَألتَهم : ماذا ترون ؟ أجَابوكَ : السَّواد يَبسط رِداءَه عَلى كلِّ شَيء ، فلا نَرى شَيئا !

حَرَموا أنفُسَهم بأنفِسِهم مُتعةَ المُحاولةِ الجادَّة للبدءِ مِن جَديد ، حِينَما أساءوا الظَّنَّ بالله ـ جلَّ جَلاله ـ ولم يَفقهوا قوله تَعالى : " إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ... " ـ (الرعد : 11)



لا أعْلمُ كيفَ يُقاسُ النَّجاح عندَ بَني الدُّنيا ، وبمَ يُقاسُ الفَشل ؟

لكنِّني عَلى يَقينٍ أنَّه لا يوجدُ نَجاحٌ مُطلقٌ أو فشَلٌ مُطلقٌ في هِذِه الحَياةِ بَلْ تَجارب وخِبرات ..

فكم مِن تَجربةٍ فاشلةٍ جَعَلَتنا نَقِفُ مَعَ أنفُسِنا وَقفَة تَفكرٍ وتدبُّرٍ ، وكَمْ مِن تَجربِةٍ قاسِيةٍ كانَت السَّببَ في أن نتعلَّمَ سِرًّا جَديدًا مِن أسرارِ النَّجاح ..!

نعم ؛ فما كانَ سرًّا بالأمسِ أصبحَ اليومَ مِن أبجديَّاتنا ، ولليومِ سَّره الذي لم يُكتشَف بَعد ، حَتَّى إِذَا ما تَمَّ اكتشافَه ـ بتوفيقٍ مِن الله ـ تقدَّمنا خَطوةً في دَربِ الفَّلاحِ ، وهَكذا ...

فالتَّجارب الفاشلَة لا تنتهي إلا بانتهاءِ الأجَل ، لكنَّها تَقل بزيادةِ الوَعي والخِبرة ، ولا تُكتَسَب الخبرة إلا بِسبْرِ أغوارِ الحِياةِ ، وخَوض التَّجارب والتَّعلّم مِنها ، ومِِن ثُمَّ تَجاوزها لِمَا بَعدَها بتحدٍّ وإيمانٍ كَبيريْن وقلبٍ لا يَعرفُ الحِقدَ !