في أدب النصيحة
- - -
قال الراوي :
رأيت أن من واجبي أن أناصحه على أمرٍ ما ، وقع منه مع أخ آخر ، ولم يعجبني تصرفه ساعاتها ، غير أني آثرت الصمت ، حتى إذا افترق الجمع الذين كانوا في المكان ، وكنا قرابة السبعة ..
انتحيت به جانباً ، وابتعدت به عن المكان ، ولم أشأ أن أطيل الكلام في مقدمة طويلة ، لا أرى داعياً لها ، لأني أحدث أخاً مدركاً وواعياً ..!
فشرعت أذكّره بحق الأخوة في كلمات قصيرة ، وأعدت عليه ما كان مما حدث ، ثم أخذت أعاتبه وأقرعه وأوبخه ! بكلمات فيها شيء من القسوة ، وأفهمه أن هذا ما كان ينبغي أن يكون منك ، وأنك أعلى من هذا الذي فعلت ، وأن الأخ لم يكن ليستحق منك كل تلك الشدة ، وأن الخطأ كان بيناً ... ونحو هذا ..
كان يسير إلى جانبي يصغي ، وهو مطأطئ يهز رأسه ، فلما فرغت ، ما كان منه إلا أن التفت إليّ واحتضنني وهو يقول :
لهذا أحببتك ! ولمثل هذا أدخرك .! وهكذا أريدك .! ..
وأخذ يثني على تصرفي معه في الحالين :
أثناء ما حدث ما حدث ، لأن انفعاله في تلك الساعة لم يكن ليجعله يصغي إليّ ، ولا ليلتفت إلى نصحي ! ثم موقفي منه الساعة ، حيث أخرجته بعيداً عن الناس ، وناصحته فيما بيني وبينه ..
وعاهدني على أن يصحح ما كان منه مع ذلك الأخ ، وسيذهب إليه الليلة إلى بيته ليعتذر له ، ويعيد المياه إلى مجاريها الطبيعية ..!
وأخذ يلح عليّ أن أبقى معه على هذه الوتيرة ، وأن لا أتردد في نصحه وتقويمه ، ما دمت أنهج هذا السبيل من فن التعامل ..!
وقفزتْ على الفور إلى ذهني أبيات الشافعي رحمه الله حيث يقول :
تعهدني بنصحك في إنفرادي ** وجنبني النصيحةَ في الجماعة
فإن النصحَ بين الناسٍ نوعٌ ** من التوبيخِ لا أرضى سماعه
فإن خالفتني وعصيتَ قولي ** فلا تغضبْ إذا لم تؤتَ طاعة
كتبها بو عبدالرحمن