خواطر رحلة العمرة 2
**
أدرْ فكرك كثيراً في آلاء الله ، وصور إحسانه ، وألوان نعمه ، عليك وعلى الخلق من حولك ، وعلى الحياة بأجمعها ..
كرر ذلك المرة بعد المرة ، حتى تنبجس عيون المحبة في غور قلبك .. تسعر بذلك شعورا قويا يملأ عليك عقلك وقلبك وحسك ..
قال تعالى : (.. فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ..
**
كان مبدأ قصته صلى الله عليه وسلم أن حبب إليه الخلوة في الغار ، الليالي ذوات العدد يبقى متفكراً متأملاً ، يقلب ناظريه ، ويدير فكره ، ويلتمس المدد ، وينتظر الفتح ..فلم يلبث أن جاءه الفرج ، وتوالت فتوح السماء عليه بعد ذلك ، بما أعانه على أن يُخرج العالمَ من حوله من الظلمات إلى النور ..!
والإشارة في هذا المشهد :
ضرورة أن ينقطع الإنسان عمن حوله ، ويخلو بربه ، ويدير فكره ، ويتأمل شؤونه ، ويقلب أموره ، في ساعة يشعر معها كأن الكون كله ، وما فيه قد مات ، ولم يبق سواه مع ربه !
إن لهذه الانقطاع بين الحين والحين ، آثاره الكبيرة ، وثمراته الواضحة ، وبركته على حياة هذا الإنسان ..
والذين ذاقوا هذا الكأس يخبرونك !
**
لما هوى آدم إلى الشجرة ، هوى إلى الأرض ، ليعاني شدائدها !
وكلما هويت أنت إلى معصية ، فإنك تهوى إلى قاع ذل ونكد وضيق صدر ،
تشعر بذلك في جلاء ، على قدر صفاء قلبك ..
أما موتى القلوب ، فما لجرح بميت إيلام !
**
جبريل الذي سد الأفق بصورته ، وقلب قرى قوم لوط بجناح من أجنحته ، تضاءل يوم المعراج ، وتداخل وانكمش حتى صار كالحشف البالي ، وقال لو تقدمت خطوة لاحترقت !
وتقدم محمد صلى الله عليه وسلم ، متألقاً ما زاغ البصر وما طغى ، واخترق حجاب النور ، وأدناه ربه وقربه وكلمه وأكرمه ..!
يا له من مشهد جليل عظيم ، يريك عظمة هذا النبي الكريم ، وعلو مكانته عند ربه عز وجل ..
فالحمد لله الذي جعلنا من أمته ، ونسأله سبحانه ، أن يؤهلنا لحسن متابعته ، لنحظى برؤيته وقربه يوم نلقاه على الحوض .. اللهم آمين
**
قال الراوي :
رأيته عند اسطوانة من اسطوانات المسجد يبكي ويداري دمعه ، وفوجئ بي بقربه كأنما هبطت عليه من السماء ! واستحلفته عما يبكيه .. فقال :
كان لي قلب فضاع ، فأنا ابكي على فراقه ، شوقا إليه ، لعل الله يرى انكساري وحزني ، فيمن عليّ برجوعه خيرا مما كان ..!
فألجمني ما قال ، لأني لم أشعر قط أن لي قلباً ، حضر أو غاب !
**
إذا كنت ترى الطائعين مشمرين بجد إلى الله سبحانه ، وأنت في معزل عنهم ، لم تتحرك نفسك لتنافسهم فيما هم فيه ،
فاعلم أنك محروم ، وجدير بك أن تبكي على نفسك !
فإن أضفت إلى ذلك :
أن رؤية الفاسقين تهيجك للسير في طريقهم ، وترسم خطاهم ، أو تمني ما هم فيه ، فاعلم ساعتها أنك مقطوع ..!
فاجتهد أن تستدرك لعلك وعساك ..!
**
قال لي شيخ جليل ذات يوم :
لا تبك لذنبك ! بل ابكِ لأنه قطعك عن ربك سبحانه !
وإن كنت باكياً للذنب مرة ، فابكِ عشراً لانقطاع قلبك عن مولاك الكريم !
**
إذا ذاق القلب قرب الرب ، رق وراق ، فإن أصابه الشيطان بسهم ، تسبب في بعده عن ربه ، جن جنونه ، وقامت قيامته ، وأخذ في النواح !
وأما القلوب المريضة أو الميتة ..فلا تستشعر شيئا من أطايب هذه الجنة المُعجلة !
كتبها بو عبدالرحمن