عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2019-04-28, 7:16 PM
نورمـــان
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية نورمـــان
رقم العضوية : 72487
تاريخ التسجيل : 24 - 2 - 2009
عدد المشاركات : 528

غير متواجد
 
افتراضي مصافحة للمرة الثلاثون..
[SIZE="3"]
بسم الله الرحمن الرحيم



أصافحه..للمرة الثلاثون..

كانت أول مصافحة..وعمري ١٠ سنوات..؛ لاأذكر تفاصيلها أبدا..ولطالما أبحرت في ذاكرتي بحثا عن لذة المعرفة الأولى..فلم أجدها..
فاتسائل..أين اختفت؟
ربما غيبها..أنني كنت اعرف في نفسي شدة وقدرة على صعود التحديات ثم الظفر بقصب السبق..
فلم تحتفظ ذاكرتي بهذه اللحظات..لأنني اعتدتها..فلم تكن شيئا غريبا..

لكن أهذا كل مايجمعني مع رمضان في المصافحة الأولى؟
كلا..
لئن نسيت ظمأ الهواجر ولحظات الري لحنجرة طفلة صغيرة..تصوم لأول مرة..
فلن أنسى لحظات الافطار..والكون كله يتلألأ..وقريتنا الصغيرة قد أسرجت قناديلها فالشمس تغرب والظلام يقترب..
وروائح الطعام الساخن ...تغمر الأرجاء..
وكهول القرية يتوكأون بخطى بطيئة نحو المسجد..والرجال والصبية يتبعونهم..وهم يحملون ثلاجات القهوة..وصحون التمر..وشيئا يسيرا من الفاكهة..
لئن نسيت..فلن أنسى..لحظات الانطلاق مع أبي بعد صلاة العصر في مزارع قريتنا..نروي بساتين المشمش والخوخ والرمان..ثم نذهب لبساتين مجاورة قد تمت حراثتها سابقا..فنخط خطوطا للبذور..ثم نودعها الأرض..وندعو أن تحل عليها بركة هذا الشهر الفضيل..
ثم نجمع في أيدينا قليلا من الفاكهة التي نضجت..ويرسلني بها والدي..لبيتنا المتربع في الأعالي..كالقصر الشامخ..وقد فتحت أبوابه..ووضعت سفرة الافطار..وقريبا منها جدة ترفع يديها بالدعاء والالحاح على الله..
وليس ببعيد..تلفزيون صغير..ليس فيه إلا قناتان..
وكانت تنبعث منه ابتهالات مذيع تقطر شجنا وعذوبة..
وينطلق المدفع ويتلوه الأذان المكي..فتتسابق أيدينا للسفرة العامرة التي تعبت فيها أمي..
أمي الان قد كبرت..ذهب التعب ياأمي وبقي الأجر إن شاء الله..

وليل رمضان..ليل لاتغلق فيه الابواب أبدا..لكن مافتح لي أبوابا من التغيير ..مشاهدتي لأختي الكبيرة منزوية في مصلاها تحمل القران وتسجد وتركع..
عرفت فيما بعد أنها تصلي صلاة التراويح..التي ظننت أنها مقتصرة على الرجال في المساجد..
ثم بدأتُ محاول تقليدها..ليلة بعد ليلة..طفلة صغيرة تمسك مصحفا كبيرا..

لقد صافحت رمضان ثلاثين مرة..
ولكن بعض مصافحاتي لم تكن كما أحب..وإن كانت فيها حرارة المحب ولوعته..
كانت سنوات قليلة من إعياء داهمني فأقعدني عن الركض في نهارات رمضان ولياليه..
ولكن ..أحيا الله قلبي وجسدي..بمنته وكرمه..
فعدت للسباق..
أسابق..
وأتأمل تلك الأيام..التي قد خلت..
ثم أتأمل الأيام التي لااعلم كم بقي فيها..
ثم أتأمل الايام التي قعد بي تعبي فيها عن الركض..
فأرجو، وأخاف، وأفرح، وأحزن..

ويلوح لي طيف رمضان..فأحسبه عرفني..يرى دموعي ويعلم أني روح قديمة عرفته..وظلت مشتاقة إليه..
عرفني طفلة ثم شابة ثم سيدة على مشارف اخر العمر..
وعرفته هو هو..بجلاله وبهائه وروحانيته..
وسرعة مروره على عجل..
كأنه جاء يأخذ منا أجمل ضيافتنا له..ثم يغادرنا دون أن نفي له بحق الضيف..
وقد علق بقلوبنا وبأيدينا المرتفعة للسماء..عطره..و نوره..وضياه..




.
[/SIZE]