عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2008-07-16, 11:48 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
كيف تعيش على هامش الحياة؟ (2)
د. ياسر بكار


العيشُ على هامش الحياة من الأوضاع التي يعيشُها الكثيرُ من المسلمين هذه الأيام ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ما زلنا نبحث عن السمات التي ترمينا إلى الهامش بعيداً عن الأحداث والتأثير فيها.

ثالثاً: التشتت..
(هاشم) رجل فاضل ومثقف مميز، عندما تجلس في مجلسه تسمع منه أطيبَ الكلام وأجملَه، لديه ثقافة واسعة إلى درجة أنه يستطيع التحدث في أي موضوع شئت، كنتُ من أشد المعجبين به، إلا أنني عندما استعرضتُ شريط حياته –وهو الآن في منتصف الستين- وجدت أنه لم يضف شيئاً جديداً ومميزاً إلى الثقافة والفكر والعمل، هذا حال عموم المثقفين في الساحة اليوم فستجدهم مشتتين أمام كمية كبيرة جداً من القضايا والمشكلات التي تواجه الأمة. والنتيجة أن عطاءهم سطحي ومشتت؛ يلامسون القضايا ملامسة دون إعطاء حلول مبتكرة وعميقة. ولذا يعيشون على هامش الأحداث لا أثر ولا تأثير.

لقد انتهى زمانُ العلماء الموسوعيين الذي يعرفون كل شيء.. ويستطيعون أن يعطوا رأياً خبيراً في كل شيء.. وجاء زمانُ المتخصصين الذين يُمضون حياتهم في دراسة قضية ما ويتركون فيها بصمتهم المميزة..

الرسالة التي أود أن أبعثها هنا أننا في زمان بحاجة إلى الخبراء والمتخصصين من الطراز الرفيع، لا إلى أصحاب الاهتمامات المتعددة وسعة الاطلاع الثقافي العام.. أولئك الذين ينتزعون إعجاب الناس بسهولة دون أن يقدموا خدمة حقيقية لأمتهم وأوطانهم ودون أن يكونوا مؤثرين بحق.

فكرة قد تغير حياتك: هل تود أن تكون مؤثراً؟
هذه فكرة عملية ستساعدك على الخروج من العمومية التي تحدثت عنها، وستنقلك إلى منطقة التأثير والشهرة العالمية.. تابع معي:
اختر موضوعاً معينًا ضمن تخصصك الحالي أو ما يستهويك من القضايا ويجذب انتباهك وتعتقد أن له أهمية معينة.. ثم افعل ما يلي:
- اذهب إلى المكتبة المجاورة، واشتر كل الكتب التي تتناول هذا الموضوع وما يتعلق به، وابدأ ببرنامج قراءة ساعة كل يوم. فقط ساعة واحدة.
- اجمع من الإنترنت كل ما يتعلق بهذا الموضوع واقرأه.
- اتصل بالخبراء الذين كتبوا كتباً أو مقالات حول هذا الموضوع واسألهم عن آفاقه، وإلى أين يسير.
- حاول أن تكتب حول موضوع اهتمامك هذا ولو مقالاً صغيرًا، وانشره في أحد المنتديات أو المواقع.
- خذ كل يوم في أثناء قيادتك السيارة إلى جامعتك أو عملك وقتا للتأمل والتفكر في الطريقة التي يمكن أن يستفيد الناس أكثر من هذا الموضوع.
- أود أن تقوم بذلك لمدة عشر سنوات (!) هل هذه مدة طويلة؟ يجب أن تتحلى بالصبر؛ فأنت الآن مشروع رمز عالمي ومؤثر في هذا الموضوع.. ثم إن عشر سنوات ليست مدة طويلة.. فلو كان عمرك الآن 30 سنة فهذا يعني أنك ستستكمل رحلتك وأنت في أول الأربعين.. وهذا عمر الشباب. ولو كنت في الخامسة والعشرين فهذا يعني أنك ستعمل إلى سن الخامسة والثلاثين.. هل هذه سن متقدمة!!.
صدقوني.. هناك العشرات بل المئات من المواضيع التي تستحق الاهتمام والمتابعة، وستجني الأمة من اهتمامك وحرصك على متابعة القراءة فيها خيراً كبيراً.. فقط ابدأ وسيمدك الله بعون من عنده وستنبهر من إنجازك الرائع والعظيم.

فقط أبدأ..!!

هذه فكرة قد تغير حياتك بأكملها وتنقلك إلى منطقة التأثير في هذا العالم.. لذا تأملها بعناية.. فكر بتفاؤل فأنت على حافة اتخاذ قرار قد يصنع لك مجداً رفيعاً.. انتبه من الشعور بالعجز أو (هذا الحديث لا يخصني) بل يخصك مهما كنت.. مهما كان مستوى تعليمك.. مهما كان عملك.. أينما كنت تعيش.

رابعاً: ابحث عن المثابرة والاصرار
من السمات التي يشترك فيها كل أولئك الذين تركوا أثراً في هذا العالم: قدرتُهم الهائلة على مواصلة العمل يوماً بعد يوم، وشهراً بعد شهر وراء ما يسعون إلى إنجازه دون أن يثبط عزيمتَهم أي مثبط. والسبب تلك العاطفة القوية التي تدفع بهم إلى المثابرة والاجتهاد دون كلل أو ملل.

وتخيل معي لو أن (إديسون) المخترع المشهور قرر -بعد عدة تجارب لصنع المصباح الكهربائي- أنه استنفد كل الحلول أو الطرق الممكنة لمثل هذا الاختراع، وحوّل جهده إلى أمر آخر، لو فعل ذلك لكان فَقَد فرصة اختراعٍ كبير كهذا.

الذين يعيشون على الهامش في عالمنا هم أولئك الذين يستسلمون عند أول إخفاق وأول سقطة ومن ثم يقلعون عن المواصلة ويبحثون عن طريق آخر..!!

أما المؤثرون فيعلمون ابتداءً أن العقبات والصعوبات هي طبيعة أصيلة في الحياة الدنيا، وأن هذه العقبات هي التي ستطوّر قدراتهم وتفجر طاقاتهم.

لاحظ أنك حين تثابر فهذا لا يعني أن تقوم بالشيء نفسه مرة بعد مرة وتنتظر نتائج جديدة.. بل يعني أن تفكر بطريقة أخرى.. أن تبحث عن خيارات جديدة.. عن وسائل مبتكرة.. يقول العالم المعروف أينشتاين: (لا يمكن أن نحل مشكلة بنفس مستوى التفكير الذي كان سائداً عند ولادتها).

خامساً: منطقة الاهتمام ومنطقة التأثير..
من الأمور التي ستبقيك على هامش الحياة اهتمامك الدائم بما نسميه منطقة الاهتمام وبعدك عن منطقة التأثير.

كل القضايا التي نسمع عنها لا تتعدى أن تكون إحدى ثلاث حالات: إما قضايا خارج دائرة اهتمامنا: (أمراض الكلاب في الأرجنتين، انقطاع الكهرباء في روسيا،..) وإما قضايا تقع ضمن دائرة اهتمامنا ولكن لا نستطيع أن نفعل حيالها الآن شيئاً مثل الأسلحة النووية لدى العدو، والديون القومية، والاحتلال الأجنبي لبلد مجاور وغير ذلك. وثالثاً: قضايا تقع ضمن دائرة تأثيرنا أي نستطيع أن نفعل حيالها شيئاً لو أردنا ذلك، ومنها: (تطوير الذات عبر القراءة، وإعداد نفسك لكي تكون قدوة في الالتزام والكفاءة في عملك، ومنها دعوتك لأهلك وجارك للحفاظ على الصلاة، وأداء المعروف، ونشر الفضيلة، واحترام القانون بين أبناء حيّك وغير ذلك).

الأشخاص الذين يعيشون على الهامش يملئون عقولهم وأوقاتهم بالتفكير والحديث عن قضايا تقع ضمن دائرة اهتمامهم، ولكنها بعيدة عن دائرة تأثيرهم. هذه القضايا قضايا مهمة ولكن لا يمكن الآن عمل شيء تجاهها. ومن ثم ستجد أن أي جهد فيها لا يثمر نتيجة سوى الشكوى والنحيب.. أما المؤثرون فهم الذين يصرفون أوقاتهم وأعمارهم فيما هو مهم وأساسي ويمكنهم أن يقوموا بشيء تجاهه، لأنه يقع تحت تأثيرهم، وفي حدود إمكاناتهم كما رأيت في الأمثلة السابقة.

خطوة عملية:
أريد منك أن تراقب نفسك.. راقب حديثك في المجالس العامة.. راقب أكثر الأشياء التي تشغل عقلك وتفكيرك.. هل تقع ضمن دائرة الاهتمام أو خارجها أو ضمن دائرة التأثير.. وبذلك ستحدد مدى فاعليتك في هذه الحياة.

خـتاماً:
من الضروري أن أشير إلى ضرورة طلب الهداية والتوفيق من الله عز وجل حتى تحقق الفاعلية المطلوبة وتكون أحد جنود نصر الأمة ورفعة رايتها من أجل المشاركة في صناعة الحياة وإحداث فرق في هذا العالم.

وفقك الله لما يرضيه، والحمد لله رب العالمين.