عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2008-07-10, 7:16 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي أُمُّ زَرْع.. والزوجةُ الوفية في تراثنا الإسلامي
أُمُّ زَرْع.. والزوجةُ الوفية في تراثنا الإسلامي
نعيمة عبد الفتاح ناصف
------------------------------------------------------------------

وفاءُ كلٍّ من الزوجين للآخر من الأخلاق الإسلامية العظيمة التي تجسد ما في الحياة الزوجية من مودة ورحمة وسكن، وقد وجدنا في تراثنا العربي والإسلامي نماذجَ رائعة لهذا الوفاء، وخاصة من قبل المرأة.

فعندما مات الأحنف بن قيس بالكوفة عام 67هـ، وهو سيد تميم، وكان معروفا بالعقل والدهاء والعلم والحلم وحسن البيان، وكانت حياته مملوءة بجلائل الأعمال، وقفت زوجته وابنة عمه على قبره، ورَثَتْه قائلة:
"لله دَرُّك مِن مُجَنّ في جنن، ومُدرج في كفن، فنسأل الذي فجعنا بموتك وابتلانا بفقدك أن يجعل سبيل الخير سبيلَك، ودليل الرشد دليلَك، وأن يوسع لك في قبرك، ويغفر لك يوم حشرك، فوالله لقد كنتَ في المحافل شريفا، وعلى الأرامل عطوفا، ولقد كنت في الحي مُسَوَّدًا، وإلى الخليفة مُوفدًا. ولقد كانوا لقولك مستمعين ولرأيك متبعين.

ثم أقبلت على الناس فقالت: ألا إن أولياء الله في بلاده شهود عباده، وإني لقائلة حقا، ومثنية صدقا، وهو أهل لحسن الثناء، وطيب البقاء؛ أما والذي كنت من أجله في عِدّة، ومن الحياة إلى مُدّة، ومن المقدار إلى غاية، ومن الآثار إلى نهاية، الذي رفع عملك، لما قضى أجلك، لقد عشت حميدًا مودودًا، ومت سعيدًا مفقودًا، ثم انصرفت وهي تقول:
لله درك يا أبا بحرِ ماذا تغيَّبَ منك في القبرِ
لله درك أيَّ حشوِ ثرى أصبحتَ من عُرْفٍ ومن نكرِ
إن كان دهرٌ فيك جدَّ لنا حدثانه ووهت قوى الصبرِ
فلَكَمْ يدٍ أسديتها ويد كانت ترد جرائر الدهرِ


فقال الناس: ما سمعنا كلامَ امرأة قط أصدق ولا أبلغ منه.

• حديث أم زرع:
ولقد اشتهر في السنة النبوية حديث "أم زرع"، وهو حديث طويل روته السيدة عائشة –رضي الله عنها- ويقدم صورة بلاغية لما كان عليه النساء في الجاهلية، من الوفاء للزوج، أو عدم الوفاء له، وأحوال الرجال معهن من حيث الكرم واللطف ورعاية الحقوق والمعاملة الطيبة تارة، ومن حيث القسوة والعنف وغلظ الطباع وسوء العشرة تارة أخرى.

ومن يقرأ هذا الحديث، لا بد أن يستعين بمعاجم اللغة العربية لكي يفهم معانيه، وما يتضمنه من ألفاظ وأوصاف بلاغية، تدل على المستوى اللغوي الرفيع الذي وصل إليه عرب الجاهلية رجالا ونساء على حد سواء، وسبب هذا الحديث -كما ذكر علماء السنة، ومنهم الإمام النسائي، الذي اشترك في روايته مع الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحيهما-: قالت عائشة: "فخرتُ بمال أبي في الجاهلية، وكان ألف ألف أوقية، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم–: "اسكتي يا عائشة، فإني كنت لك كأبي زرع لأم زرع"، وقيل: سبب الحديث أن عائشة وفاطمة جرى بينهما كلام، فدخل رسول الله –صلى الله عليه وسلم– فقال: "ما أنت بمنتهية يا حميراء عن ابنتي. إن مثلي ومثلك كأبي زرع مع أم زرع" فقالت: يا رسول الله حدثنا عنهما، فقال: كانت قرية فيها إحدى عشرة امرأة، وكان الرجال خلوفا، فقلن: تعالين نتذاكر أزواجنا بما فيهم ولا نكذب… وقيل: إن هذه القرية كانت باليمن، وقيل: إنهن كن بمكة، وقيل: إنهن كن في الجاهلية.
تقول السيدة عائشة –رضي الله عنها–: "جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً، فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لاَ يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئاً.

قَالَتِ الأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٌّ، عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ، لاَ سَهْلٍ فَيُرْتَقَى، وَلاَ سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ.

قَالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لاَ أَبُثُّ خَبَرَهُ، إِنِّى أَخَافُ أَنْ لاَ أَذَرَهُ، إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ.

قَالَتِ الثَّالِثَةُ: زَوْجِي الْعَشَنَّقُ؛ إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ.

قَالَتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ؛ لاَ حَرٌّ، وَلاَ قُرٌّ، وَلاَ مَخَافَةَ، وَلاَ سَآمَةَ.

قَالَتِ الْخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ، وَلاَ يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ.

قَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ، وَإِنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ، وَلاَ يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ.

قَالَتِ السَّابِعَةُ: زَوْجِي غَيَايَاءُ -أَوْ عَيَايَاءُ- طَبَاقَاءُ، كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ؛ شَجَّكِ، أَوْ فَلَّكِ، أَوْ جَمَعَ كُلاًّ لَكِ.

قَالَتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي الْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ.

قَالَتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ، طَوِيلُ النِّجَادِ، عَظِيمُ الرَّمَادِ، قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِ.

قَالَتِ الْعَاشِرَةُ: زَوْجِي مَالِكٌ وَمَا مَالِكٌ، مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ، لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ قَلِيلاَتُ الْمَسَارِحِ، وَإِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ.

قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ، فَمَا أَبُو زَرْعٍ؟ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ، وَمَلأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ، وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَجَدَنِي فِى أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ، فَجَعَلَنِي فِى أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدائِسٍ وَمُنَقٍّ، فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلاَ أُقَبَّحُ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ، وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ، أُمُّ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ؟ عُكُومُهَا رَدَاحٌ، وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ، ابْنُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ؟ مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ، وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ، بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ؟ طَوْعُ أَبِيهَا، وَطَوْعُ أُمِّهَا، وَمِلْءُ كِسَائِهَا، وَغَيْظُ جَارَتِهَا، جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ؟ لاَ تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثاً، وَلاَ تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثاً، وَلاَ تَمْلأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشاً.

قَالَتْ: خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالأَوْطَابُ تُمْخَضُ، فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ، يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ، فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا، فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلاً سَرِيًّا، رَكِبَ شَرِيٍّا، وَأَخَذَ خَطِّيًّا، وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَماً ثَرِيًّا، وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجاً، وَقَالَ: كُلِي أُمَّ زَرْعٍ، وَمِيرِي أَهْلَكِ. قَالَتْ: فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَىْءٍ أَعْطَانِيهِ مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ.

قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ)).