(ديوان المعاني- أبو هلال العسكري)
وقد كان الخلفاء والقادة يحرصون على رواية الرفيع من الشعر، ويرغبون في ذلك لأبنائهم، فقد قال عبدُ الملك بن مروان لمؤدِّب ولده: "روِّهم الشِّعر يَمْجُدوا ويَنْجُدوا". كما كانوا يتمثلون الأبيات من الشعر حين يكون واقعُها.
فقد أخبر العتبى عن أبيه: أن عبد الملك بن مروان -رحمه الله- كان يوجه إلى مصعب جيشًا بعد جيش فيهزمون، فلما طال ذلك عليه واشتد غمُّه أمر الناس فعسكروا، ودعا بسلاحه فلبسه، فلما أراد الركوب قامت إليه أم يزيد ابنه -وهي عاتكة بنت يزيد بن معاوية- فقالت: يا أمير المؤمنين، لو أقمت وبعثت إليه لكان الرأي، فقال: ما إلى ذلك من سبيل، فلم تزل تمشي معه، وتكلمه حتى قرب من الباب، فلما يئست منه رجعت فبكت، وبكى حشمها معها، فلما علا الصوت رجع إليها عبد الملك فقال: وأنت أيضاً ممن يبكي! قاتل الله كُثيِّراً، كأنه كان يرى يومنا هذا حيث يقول:
إذا ما أراد الغزو لم تثن همَّه حَصَانٌ عليها نظمُ درٍّ يزينها
ولكن مضى ذو مرةٍ متثبت بسنة حق واضحٍ مستبينها
( الأمالي- أبو علي القالي)
و(المروءة) في الإيجابيات والمناقب نقيضةُ (العيب) في السلبيات والمثالب؛ كلمةٌ جامعة، أو وصفٌ عام كأنها قانون للأخلاق يصنفها، ويقدمها، أو يؤخرها.
لَيسَ المُروءَةُ في الثِيابِ وَبطنَة إِنَّ المُروءَةُ في نَدىً وَصَلاحِ
وَتَرى الفَتى رَثَّ الثِيابِ وَهَمُّهُ طَلَبُ المَكارِمِ في تُقىً وَصَلاحِ
(أحمد بن طيفور)
روافد شعرية إلى دوحة المروءة:
ويفيض الشعر العربي في عصوره المتعاقبة بالمعاني الإنسانية التي تصقل النفوس وتهذبها، أقتطف منها أبياتًا.
معنى الأمانة:
قال عمرُ بن الخطّاب للوَفد الذين قَدموا عليه من غَطفان: من الذي يقول:
حلفتُ فلم أتركْ لنَفْسك رِيبةً وليس وراء الله للمرءِ مَذْهَبُ
قالوا: نابغة بني ذُبيان. قال لهم: فمن الذي يقول هذا الشعر:
أتيتُك عارياً خَلَقاً ثِيابي على وَجَل تُظنُّ بيَ الظُنونُ
فألفيتُ الأَمانةَ لم تَخنْها كذلك كَان نُوحٌ لا يَخونُ
قالوا: هو النابغة. قال: هو أشعرُ شُعرائكم. (العقد الفريد- ابن عبد ربه)
القناعة والرضا:
ويقال: إن أبدع بيت قالته العرب قولُ أبي ذُؤيب الهُذَليّ:
والنفسُ راغبةٌ إذا رَغَّبتها وإذا تُردُّ إلى قَليلٍ تَقْنعُ
أَلم تَرَ أَنَّ الفَقْرَ يُرجى له الغِنَى وأَنَ الغِنى يُخشى عليه من الفقرِ
إِنّي اِمرُؤٌ سَمحُ الخَليقَةِ ماجِدٌ لا أُتبِعُ النَفسَ اللَجوجَ هَواها
ولحاتم الطائي:
فإِنَّك إنْ أَعْطَيْتَ بَطْنَكَ سُؤْلَهُ وفَرْجَكَ نَالاَ مُنْتَهَى الذَّمّ أَجْمَعَا
وللشنفرى:
وَإِن مُدَّتِ الأَيدي إِلى الزادِ لَم أَكنُ بِأَعجَلِهِم إِذ أَجشَعُ القَومِ أَعجَلُ
في بعث الثبات والشجاعة والإقدام والنجدة:
وكان عليٌ -رضي الله عنه- إذا أراد المُبارزة في الحرب أنشأ يقول:
أيّ يوميّ من المَوتِ أفرّ يومَ لا يُقدر أم يوم قُدِرْ
يومَ لا يُقدر لا أَرْهَبُه ومِن المَقدور لا يَنجو الحَذِرْ
قالت عائشة: وكان عامر بن فُهيرة يقول:
وقد رأيتُ الموتَ قبل ذَوْقه إنّ الجَبان حَتْفه مِن فَوْقه
ولزهير:
ولَأَنْتَ أَشْجَعُ من أُسَامَةَ إِذْ دُعِيَ النزَالُ ولُجَّ في الذُّعْرِ
قال عمرو بن برَّاقة الهَمْداني:
متى تجمع القلبَ الذكيّ وصارما وأنفاً حمِيّا تجتنبْكَ المظالمُ
ولطَرَفَةَ:
إِذا القَومُ قالوا مَن فَتىً خِلتُ أَنَّني عُنيتُ فَلَم أَكسَل وَلَم أَتَبَلَّدِ
في الشكر:
لزُهير بن جناب:
ارفَعْ ضعيفَك لا يَحُر بك ضعْفهُ يوماً فتُدركَه عواقبُ ما جَنَى
يَجزيك أو يثني عليك فإنّ مَن أثنى عليك بما فعلتَ كمن جَزَى
وفي حفظ السر:
لقيس بن الخطيم:
وإنْ ضيَّع الإخوانُ سرّاً فإنَّني كتومٌ لأسرارِ العشيرِ أمينُ
في الهيبة:
للفرزدق:
في كَفِّهِ خَيْزُرَانٌ رِيحُهُ عَبقٌ مِنْ كَفِّ أَرْوَعَ في عرْنينه شممُ
يُغْضِى حَيَاءً ويُغْضَى مِنْ مَهَابَتِةِ فَما يُكلَّمُ إلا حِينَ يَبْتَسِمُ
قالوا:لم يُقل في الهيبة شيءٌ أحسن منه.
[ابن قتيبة- الشعر والشعراء]
في الحياء:
قال عبيد السلاميّ:
وأعرضُ عن أشياء لو شئتُ نلتُها حياءً إذا ما كانَ فيها مقادِعُ
في الصبر وعدم الجزع:
قول أوس بن حجر:
أيَّتُهَا النَّفْسُ أَجْمِلى جَزَعَا إنَّ الَّذِي تَحْذرِينَ قَدْ وَقَعَا
في حفظ اللسان:
قال امرؤ القيس:
إِذَا المَرْءُ لم يَخْزُنْ عليه لِسَانَهُ فلَيْسَ على شَيْءٍ سِوَاهُ بِخَزَّانِ