(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إلَى اللَّه وَاللَّهُ هُوَ الْغَنيُّ الْحَميدُ).
قال ابن القيِّم -رحمه الله- في (طريق الهجرتين): "الفقرُ فقران: فقر اضطرار، وهو فقر عام لا خروج لِبَرٍّ ولا فاجر عنه. وهذا الفقر لا يقتضي مدحًا ولا ذمًّا ولا ثوابًا ولا عقابًا، بل هو بمنزلة كون المخلوق مخلوقًا ومصنوعًا.
والفقر الثاني فقرٌ اختياري هو نتيجة علمين شريفين: أحدهما معرفة العبد بربه، والثاني معرفته بنفسه؛ فمتى حصلت هاتان
المعرفتان أنتجا له فقرًا هو عين غناه وعنوان فلاحه وسعادته".
والافتقار إلى الله مقام عالٍ يصل إليه العبد من طرق كثيرة منها:
.................................................. .....
(1) الصلاة المفروضة.
وأعظم ما يظهر فيه ذل العبد وخضوعه لربه تعالى فيها : السجود .
قال ابن تيمية رحمه الله: لفظ " السجود " ، فإنه إنما يستعمل في غاية الذل والخضوع ، وهذه حال الساجد .
(2) الدعاء.
كما قال موسى عليه السلام : (رَبِّ إني لمَا أَنزَلْتَ إليَّ منْ خَيْر فَقيرٌ ) وكما قال تعالى عن أيوب عليه السلام
( وَأَيُّوبَ إذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحمينَ )
(3) التوكل على الله.
قال شيخ الإسلام: كلما ازداد القلب حبّاً لله : ازداد له عبودية ، وكلما ازداد له عبودية : ازداد له حبّاً ، وفضله عما سواه ، والقلب فقير بالذات إلى الله من وجهين : من جهة العبادة الغائية ، ومن جهة الاستعانة والتوكل ، فالقلب لا يصلح ، ولا يفلح ، ولا ينعم ، ولا يسر ، ولا يلتذ ، ولا يطيب ، ولا يسكن ، ولا يطمئن ، إلا بعبادة ربه وحبه ، والإنابة إليه ، ولو حصل له كل ما يلتذ به من المخلوقات : لم يطمئن ، ولم يسكن ؛ إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه من حيث هو معبوده ، ومحبوبه ، ومطلوبه ، وبذلك يحصل له الفرَح ، والسرور ، واللذة ، والنعمة ، والسكون ، والطمأنينة .
وهذا لا يحصل له إلا باعانة الله له ؛ فإنه لا يقدر على تحصيل ذلك له إلا الله ، فهو دائماً مفتقر إلى حقيقة : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) وهذا هو معنى : "لا حول ولا قوة إلا بالله" .
ملتقى أهل الحديث