عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 7  ]
قديم 2018-02-23, 1:29 AM
نورمـــان
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية نورمـــان
رقم العضوية : 72487
تاريخ التسجيل : 24 - 2 - 2009
عدد المشاركات : 528

غير متواجد
 
افتراضي
وأخيرا تنفست جميلة الصعداء..
وعاشت أياما هانئة..
حتى ذلك الصراع بينها وبين شقيقات زوجها..استحال بردا وسلاما..
وماذاك إلا من وراء خبر..لايعكس سوى حال قلوب أهل ذلك الزمان..
فبين يوم وليلة..
انقلب حال (سلمى) إحدى شقيقات حميد..
وداهمها ألم في صدرها..لم تترك طبا ولاعشبا إلا وجربته..
سمعت بذلك جميلة..
فطلبت من جارتها أن تحضر لها الخبر:
أي داء هو..؟
فعادت الجارة بالوصف اليقين..
فسألتها جميلة هل هو داء الجنب؟
فقالت أظنه هو..وقد جرت فيه مانعرف من طب فلم يجدي معه.
ثار في نفس جميلة ذلك الخلق الحسن الذي تربت عليه..
فصنعت قليلا من السويق الساخن وذهبت لزيارة سلمى..
التي فوجئت بها..
بادرتها جميلة بالسؤال والاطمئنان كأن شيئا لم يكن..
ثم قامت بجس علتها..فعرفت انه داء الجنب..
ساد الصمت قليلا..بينما دموع سلمى لم تتوقف..
لعل الله عاقبني..لعله ذنبك..
رفضت جميلة ماسمعته منها...وقالت:
قد عفوت عنكم من حينها..
ولكن دعينا الان فيك..
هل تأذنين لي أن اجرب شيئا تعلمته عند خالتي أثناء زيارتي لها في مكة؟
فردت سلمى بفرحة..ياليت..ولك الأجر..
فاوضحت لها جميلة ان هذا شيء يتطلب ان تذهب بنفسها لمكة..وتحضر عشبة من هناك....وتحضر قليلا من ماء زمزم..
هشت وبشت سلمى لهذه الرقة..وهذا الكرم..
وقالت سأرسل زوجي ليحضر لك ماأردت..
فقالت جميلة.:لابد ان أذهب بنفسي..وأريد ان أستزيد من خالتي حول هذه الطريقة..
سأطلب من عثمان (الأجير لديها) وزوجته أن نذهب لمكة غدا..
وإن شاء الله خير.
خرجت جميلة من دار سلمى..
بينمت بقيت الأخيرة تشيعها بنظرات عرفان وحزن على ماسبق منها تجاهها..
_ لقد كان حميد محقا حينما يقول لنا أنه تزوج جوهرة غالية..


هكذا هم اهل القرى..
هكذا هم اهل القرى..
لابستطيعون حمل الحقد..قلوبهم لاتخالف حركة الكون والطبيعة التي تتفتح وتبدأ حياة جديدة كل يوم..
يرون ذلك في الندى المتجمع على أوراق الأشجار ..وهو يقول لهم لهم أنا ابن الصباح ..و إبن هذا اليوم..فكونوا مثلي..
يرونه في ازهار اشجار الرمان والمشمش..تبدأ صغيرة ثم تنتقل أطوارا حتى تصبح ثمرة ناضجة..وكأنها تقول لهم تجددوا تغيروا ..ولكن للأحسن للأجمل ..
انتهى ذلك اليوم..الذي ملأ قلب جميلة بالبهجة..
ووضعت رأسها على وسادتها وهي تتأمل صغيريها الغارقين في النوم..
(ماأجمل الحياة مع العفو..
وماأجمل قلوبنا لو كانت كقلوب هؤلاء الأطفال..
وهنيئا لمن كان فؤاده كفؤاد الطير..قريبا رقيقا..حتى وإن فزع لايذهب بعيدا..
منذ كنت صغيرة..
كنت أظن أنني قادرة على حمل جبال السروات فوق كتفي..ولكني اضعف من أن أحمل ضغينة أو حقدا على أحد..
علمني والدي أن الغاضب والحاقد مسكين..بينما القلب المكلل بالعفو في معية الله يرعاه وينصره ولو بعد حين..
والحياة قصيرة..
فلا نقصرها أكثر بالخصام والنزاع بين الإخوة)



غادرت جميلة قريتها في اليوم التالي برفقة عثمان اجيرهم ومعه زوجته ..وسارت بهم الجمال بين وهاد ووديان في رحلة استغرقت ثلاثة أيان بلياليها ..حتى بلغوا شعب عامر..قريبا من الحرم حيث تسكن خالة جميلة...
استقبلت الخالة ابنة اختها ومن معهابالبشر والسرور ..
وقضت جميلة ثلاثة أيام في مكة..كانت تسابق فيها الزمن ..وجدت العشبة بكميات مناسبة في بطحاء مكة..
وخصصت يوما لتعتمر برفقة من معها...وليحضروا قربة مملوءة بماء زمزم..
كما تعلمت من خالتها كيف تقوم بتطبيب ذلك الداء الصعب ..
هكذا كان نهارها..
أما ليلها فقد كانت تقضيه بجانب شباك خشبي يطل على الحرم..
تملأ عينيها من ذلك البيت المهيب مكانة وقدرا ..
وعلى البعد تلوح أضواء السرج حول المسجد الحرام..تظل مشتعلة طوال الليل...حتى إذا طلع الفجر تتابعت أصوات المؤذنين بنداء الله أكبر ..يصدح عاليا من جنبات المآذن..واحدا تلو الآخر..

ثم انتهت الرحلة..
وعاد الركب مسرعا..ولسان جميلة يلهج داعيا لله أن يعجل بشفاء سلمى..
وهذا ماكان..
فقد برئت سلمى من دائها بعد أسبوعين..
وقد ذهب كيد الشيطان ونزغه عن قلوب أهل البيت الواحد..
وكأن هذه العقبات والابتلاءات..ليست كفارات ورفعة للدرجات فقط..
بل لتلتفت القلوب لبعضها...ووترحم بعضها بعضا.
ولتظهر معادن الناس ويُعرف قدرهم..
فهناك من تصرعه الحياة..بظروفها..بمفاتنها..بشهواتها..
وهناك من يصرع الحياة ويضعها تحت قدميه..ابتغاء ماعند الله..
وماعند الله خير وأبقى.




5