عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 5  ]
قديم 2018-02-20, 1:08 AM
نورمـــان
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية نورمـــان
رقم العضوية : 72487
تاريخ التسجيل : 24 - 2 - 2009
عدد المشاركات : 528

غير متواجد
 
افتراضي
واستجمعت جميلة نفسها..
الموت لايذهب بأحبائنا فقط..بل يترك لهم ديننا في أعناقنا..
أن نكون كما يحبون..وكما تمنوا لنا..
وذكرى (حميد) ..مازالت تطالبها بأن تكون قوية ..
حميد الشاب الذي كان زين الشباب وشيخهم المقدم..كالشمس بهاء وكالقمر سطوعا..
ترجل عن الحياة..
ولكنه مازال يزورها في المنام..مبتسما راضيا..يطل عليها من غرفة علوية ..
ويأخذ بيدها قائلا:
اصبري ياجميلة..إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب..
توقظها الرؤى..
وتستيقظ كل حواسها..
فتقرر ..
سأكون على العهد..
..
انقضت العدة..وتوافد الخطاب..يطرقون قلب الجميلة..لكنها لم تكن تبصرهم..
فحميد معها..كما تشعر هي...فكيف تتزوج غيره..
رفضتهم واحدا تلو الآخر..
وانشغلت بتلك الأملاك التي طال الغياب عنها..وقد آن أوان الرجوع إليها بعزم وأصرار..
نزلت للبساتين..تتفقدها واحدا تلو الآخر..
وأقبل إليها العمال الذين كانوا يعملون لدى حميد..والقلق يملؤهم..مامصيرهم..مامصير هذه البساتين..
فأقبلت تطمئنهم..
وتحثهم على العمل كما كان سيدهم موجودا..
(سنتقاسم خير هذه البساتين باذن الله)
كانت هذه الكلمات كافية لتطمئن أولئك العمال المساكين..وتجعلهم ينطلقون في الأرض ..مابين استخراج للمياه، وسقي للأشجار واعتناء بالمحاصيل وحراثة للتربة وزرع وحصد..
كانت يدها بيدهم..بينما أبنائها قريبا منها..
ترقبهم بسرورو وهم يلهون تارة..وتارة يتسابقون بين يديها يريدون العمل ..
لم تكن تمنعهم..بل تدفعهم بحب ليتعلموا..
كم كانت تحلم أن يتعلموا الكتابة مثلما تعلمت..لكن كيف والشيخ الذي علمها انتقل لمكة..واندرست اثار الكتًاب بعده..
مضى اليوم الأول والثاني..
والأرض تكتسي حلة جديدة..فالعمل يجري على قدم وساق..
وجميلة تخرج قبل شروق الشمس..تباشر عملها وتعود قبل الظهر لترتاح قليلا وتصنع خبزا لأبنائها..ثم تعود بعد العصر لوطنها الثاني ..تلك الأرض التي تسر الناظر إليها...وكأنها قطعة من الجنة أُهبطت للأرض..
حتى جميلة ذاتها تغيرت..تلك الفتاة الصغيرة..
صارت تشابه أشجار السدر العملاقة المنتشرة بأطراف بالبساتين..
فبظلها بعد الله تتفيأ العديد من الأرواح..
تتأمل يديها الصغيرتين..لقد أصبحتا جافتين جدا..وقد أثر بهما العمل اليومي الشاق..فضلا عن أعمال البيت..
لكن ماذا تفعل ..
هل تهزم؟هل تنكص على عقبيها؟
تأبى عليها نفسها ذلك..
وتظن جميلة أنها ستعتاد ذلك..ويصبح أخف وطأة من الآن..
وسيكبر عبدالمحسن..وخديجة ويساعدانها ان شاء الله..
لكن صوت الماء الذي سكبته جارتها للتو في الزير ..يخرجها من تأملاتها..
فتلتفت إليها ضاحكة..
فتوبخها الجارة بلطف ..بأنها ألقت السلام ودخلت الفناء وجميلة سارحة بعيدا..
تعتذر إليها جميلة وتشكرها أن حملت بعض العبء عنها اليوم..وأحضرت الماء من الغدير بدلا عنها..
لكن سهما..انطلق..وألجم تلك اللحظات بلجام من هم وحزن..
(شقيقات زوجك ووالدته يعتزمن إخراجك من البيت والأملاك..)
وقف الكلام حائرا..ونطقت الدهشة..
تحدث النسوة في القرية بما عزم عليه أهل حميد..
فجاءت الجارة تخبر جميلة..لتحزم أمرها قبل أن يتفاقم الكيد..
ردت عليها دموع جميلة المكلومة..اين أذهب..وأبنائي من أين أطعمهم..
كان الجواب مارأت لا ماسمعت..
فقد جاءت الشقيقات..يتأبطن شرا..
ويأمرنها بالخروج من البيت..ويسمعنها كلاما قاسيا..
(اذهبي وتزوجي ، وابحثي عمن يرعاك، وأبناء أخينا نحن من سيرعاهم
ليس لك الحق أن تسرحي وتمرحي أمامنا كل نهار في أملاكنا..ونحن موجودات)
كان خطابا شديد اللهجة..
قلب الموازيين..وأجرى الدموع أنهارا..وأصاب الأرملة في مقتل..
أين تذهب..؟
وكيف تحيا بدون أبنائها؟
هل هناك ظلم أشد من هذا الظلم..
يفرقون بيني وبين أبنائي ..لأجل حطام ظنيا زائل..
ويمنعوني من خيرهم..وأنا أم لأبنائهم؟
ولايرعون عهد شقيقهم الذي مارأيت منه إلا خيرا..
..
انسدل الستار على ظلام توشح به قلب جميلة..التي لم تجد ملجأ من كل هذا إلا الخروج من بيتها..وتقليب نظرها في السماء..
(يا الله دلني ماذا أفعل..
دلني يارب..
فأنا بدونك لاحول لي ولاقوة.)

(3)