اسمها جميلة..وهي فارعة الجمال..
وفارعة الحظ ايضا..
فقد كانت الوحيدة من بنات جيلها من حظيت بدخول الكتًاب..وتعلمت القراءة والكتابة..
مهلا..
جميلة ليست فتاة من عصرنا..
بل هي فتاة عاشت في إحدى القرى الحجازية المشرفة على مكة..
وكانت ولادتها سنة 1318 هجرية..
في بيت رجل يؤمن بأن تميز المرأة هو تميز لأهلها وقبيلتها..
وأن العلم نور لها..ولحياتها..
كانت جميلة ..تفوق الفتيات ذكاء وقوة شخصية..
وقد كانت الطبيعة الجبلية تضع عليها طابعها..من صمود واباء واعتداد بالنفس..
تعلمت بعض سور القران..لكن بقي في داخلها شوق متقد للمزيد من العلم..
ولكن هيهات..
أنى لها ذلك..
والانسان حولها مشغول بلقمة عيشه..والكتًاب محدود الامكانات والرؤية..ولامدارس حولها ولاحلقات علم..
بقيت تلك الجذوة داخلها..إلى حين..
وفي أثناء ذلك انخرطت مع بقية فتيات القرية في الزراعة والحصاد والرعي والقيام بشؤون البيت من طحن وخبز واشعال للنار وجلب للماء مع رعاية الماشية وحلبها والقيام بشؤونها..
وإذا وجدت وقتا اخرجت بعض الخيوط والأقمشة..وراحت تخيط كباقي نساء زمانها ملابسا بنقوش بديعة ومتقنة..
وفي الليل تسهر على ضوء فانوس قديم..مع صويحبات لها قدمن تباعا من منازلهن بقصد تبديد صمت الجبال حولهن..فيتجاذبن اطراف الحديث إلى هدأة الليل ثم تولي كل واحدة إلى منزلها..وبأيديهن فوانيس صغيرة تقاوم الظلام..تحملهن حتى يحططن رحالهن بتلك البيوت ..ثم تخبو رويدا رويدا..ويعم الظلام كل شيء..
إلا قلب جميلة..
فقد كانت ترعى والدها العجوز..الذي أخبرها اليوم برغبة شيخ القرية في أن يخطبها لابنه حميد..
(لن اترك والدي) ..
كان ذلك عزمها..
فقد كانت تحمل قلبا رقيقا تجاه والدها..الشيخ الذي دهمته السنون فما أظهر لها إلا تجلدا وصبرا..
فهل تتركه الان..وقد بلغ من الكبر مبلغا؟
بلغ حميد ووالده مقالتها..ورأيها..فأبيا إلا مجازاة الخلق الحسن بمثله وفوقه..
فعرضا على الأب ان يبنيا له بيتا صغيرا بجوارهم..لترعاه ابنته ومتى ماأراد زيارة منزله القديم فله ذلك..
تم الزواج..
وانتقلت جميلة..لمنزل حميد..الذي بناه بيديه بمساعدة رجال القرية..
وانتقل والدها معها..
ومرت السنوات ..
سنة واثنين وأربع..وست..
ويتزين البيت باصوات الصغار..عبدالمحسن..خديجة..
لكن تلك الفتاة كانت على موعد مع الصبر..
الصبر الذي سيصنع منها قمة انسانية تضاهي قمم جبال الحجاز..شموخا وقوة.
كان اول موعد لها مع الصبر ..حين توفي سندها بعد الله..الاب الرفيق المشفق..
ثم تلاه موت زلزل البيوت والقلوب..
قرة عينها..يداهمه سيل أثناء عودته للبيت ..فلا يلتفت له..ويظنه بقلب الحجازي الشجاع مجرد سيل عابر لطالما تجاوز مثله..
لكنه القدر..أخذه في ساعة انقشعت عنها كل أسباب القوة..
وهكذا أمر الله..
(وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۖ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ*)
(2)
التعديل الأخير تم بواسطة نورمـــان ; 2018-02-19 الساعة 1:20 AM.
|