البعد عن مواطن التهم:
فلا ينبغي للمسلم أن يضع نفسه في موضع الشبهة أو موضع التهمة بتصرفاته وحركاته وأفعاله وأقواله، حتى لا يُعَرّض نفسه لسوء الظن به. ورسول الله صلى الله عليه وسلم أطهر خلق الله والذي لا يمكن لأحد أن يسيء الظن به إلا أنه يأبى أن يضع نفسه في موضع الريبة، ويعلمنا أن لا نضع أنفسنا في مواضع التهم. ففي الصحيحين عن صفية بنت حيي، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا، فحدثته ثم قمت فانقلبت، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "على رسلكما إنها صفية بنت حيي" فقالا سبحان الله يا رسول الله قال: " إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا، أو قال: شيئا".
قال ابن بطال رحمه الله: (في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها صفية" السنة الحسنة لأمته، أن يتمثلوا فعله ذلك في البعد عن التهم ومواقف الريب).
• انشغال المرء بعيوب نفسه ليصلحها:
فلا ينبغي للمسلم أن يشغل نفسه بأفعال الناس، يراقب هذا، ويتابع ذاك، ويفتش عن أمر تلك... بل الواجب عليه أن يُقبل على نفسه فيصلحَ شأنها، ويُقوِّمَ خطأها، ويرتقي بها إلى مراتب الآداب والأخلاق العالية، فإذا شغل نفسه بذلك لم يجد وقتا ولا فكرا يشغله في الناس وظن السوء بهم .
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تتبع أمور الناس وعوراتهم، حرصا منه صلى الله عليه وسلم على شغل المسلم نفسه بالخير، وعدم الوقوع فيما لا يغني من الله شيئا، فقال عليه الصلاة والسلام: " يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه فى بيته ". أخرجه أحمد وأبو داود عن أبي برزة الأسلمي، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
وليس أريح لقلب العبد في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حسن الظن، فبه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي النفس، وتكدر البال، وتتعب الجسد. قال الإمام الشافعي رحمه الله:"لأن تحسن الظن وتخطئ خير من أن تسيء الظن وتصيب".
عباد الله؛ إياكم وسوء الظن، فإنه يوقِع صاحبه في الإثم، ويملأ قلبه بالهواجس والشكوك، فقد يدمر بيته، أو يقطع رزقه، وعاقبته وخيمة في الدنيا والآخرة.
عليكم بحسن الظن، فإن حسن الظن بالناس سكينة؛ فقد ندب الإسلام أهله إلى التخلق بحسن الظن فيما بينهم، إذ به تقوى الروابط بين المسلمين، وتشتد أواصر تآلفهم، وتقوى عرى الأخوة بينهم، وتعم السعادة قلوبهم. والعبد عندما يحسن الظن بإخوته وبالمسلمين مِن حوله فإنه يُريحُ قلبه أولًا، ويُسكن روحه، ويطمئن فكرَه، حيث يُبعِد عن نفسه خواطر القلق والشكوك والريبة فيمن حوله، ويُنقي قلبه من مشاعر الغل والحسد والغش، وكلها تستتبع خصالا أخرى بغيضة إلى الله ذميمة.
واعلموا رحمكم الله أن هذه القلوب هي محل نظر الله تعالى، فلتكن سليمة لا يخالطها غش ولا كراهية ولا غل ولا حسد ولا ظن سوء.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا قلوبًا سليمة مطمئنة، وأن يجعلنا ممن يحسن الظن به وبعباده، وأن يطهر قلوبنا من كل خلق ذميم ووصف قبيح، وأن يجعلنا من عباده الصالحين، ومن أوليائه المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وصل الله وسلم وبارك على حبيبنا وقدوتها وقرة أعيننا محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.