سوء الظن
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. وبعد؛
إخوتي الكرام؛ نواصل حديثنا في التحذير من مساوئ الأخلاق وقبيح الخصال، وحديثنا اليوم عنخلق ذميم ووصف قبيح، يوغر الصدور، ويُقسي القلوب، ويزرع في النفوس الكراهية والبغضاء، ويُفقِد صاحبه الثقة في خالقه ومولاه، ويحمله على الإساءة إلى عباد الله. إنه سوء الظن. وما أدراك ما سوء الظن؛ كبيرة من كبائر الذنوب، ومرض من أمراض القلوب، وصفة من صفات الجاهلين والمنافقين والجاحدين..
مفهوم سوء الظن:
قال الماوردي رحمه الله: (سوء الظن: هو عدم الثقة بمن هو لها أهل).
وقال ابن القيم رحمه الله: (سوء الظن: هو امتلاء القلب بالظنون السيئة بالناس حتى يطفح على اللسان والجوارح).
سوء الظّنّ هو: اعتقاد جانب الشّرّ وترجيحه على جانب الخير فيما يحتمل الأمرين معاً.
سوء الظن قسمان:
1- سوء الظّنّ بالله؛ بأن ينسب المرء إلى ربه ما لا يليق به، أو يصفه بما هو منزه عنه من كل عيب ونقص، أو يتعلق بغيره، ويعتمد على سواه، أو يقنط من رحمة الله وييأس من روح الله... وقد ذم الله تعالى من يظن به السوء وتوعده على ذلك أشد الوعيد فقال سبحانه: ﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾.
وقال تعالى عن المشركين الذين يجادلون بالباطل، ويبررون شركهم: ﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَاإِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾ [الأنعام: 148]؛ أي تكذِبون.
وقال تعالى عمن تجرأ على عصيانه ومخالفة أمره دون أن يمنعه خوف ولا استحياء: ﴿ وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ ﴾.
وفي الصحيحين عن زيد بن خالد رضي الله عنه، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، فأصابنا مطر ذات ليلة، فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، ثم أقبل علينا فقال: "أتدرون ماذا قال ربكم؟". قلنا: الله ورسوله أعلم، فقال: قال الله: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي، فأما من قال: مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله، فهو مؤمن بي، كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنجم كذا، فهو مؤمن بالكوكب كافر بي".
قال ابن القيم: (كل مبطل وكافر ومبتدع مقهور مستذل، فهو يظن بربه هذا الظن وأنه أولى بالنصر والظفر والعلو من خصومه، فأكثر الخلق بل كلهم إلا من شاء الله يظنون بالله غير الحق ظن السوء، فإن غالب بني آدم يعتقد أنه مبخوس الحق ناقص الحظ، وأنه يستحق فوق ما أعطاه الله ولسان حاله يقول: ظلمني ربي ومنعني ما أستحقه، ونفسه تشهد عليه بذلك، وهو بلسانه ينكره، ولا يتجاسر على التصريح به، ومن فتش نفسه وتغلغل في معرفة دفائنها وطواياها رأى ذلك فيها كامنا كمون النار في الزناد).
فعلى المسلم أن يجتهد في تهذيب نفسه وتطهيرها، حتى لا يظن بربه إلا خيرا؛ فإن حسن الظن بالله طريق الفلاح والنجاح والنجاة.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلَ مَوْتِه بثَلاثَةِ أيّام، يقولُ: "لاَ يَمُوتَنّ أحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بالله عز وجل ". رواه مسلم.
وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: عن الله جل وعلا، قال: "أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء". أحمد وابن حبان والدارمي، وصححه الألباني.
وعن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الله جل وعلا يقول: أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيرا فله، وإن ظن شرا فله" أحمد وابن حبان، وصححه الألباني.
فلا تظنن بربك ظن سوء
فإن الله أولى بالجميل
ولا تظنن بنفسك قط خيرا
فكيف بظالم جان جهول