الأقلون عددا ، لماذا لا تكون منهم !؟
= = = = =
أحياناً تكون التجربة القاسية المؤلمة ، مشحونة بخير ، وصاحبها يتأفف !!
يقع على الإنسان بلاء على صورة من الصور، فإذا هذا البلاء نفسه خير معين لهذا الإنسان في مستقبل حياته ، ليسير سيرا صحيحا ، بعد أن كان يتخبط على غير هدى !
وكلما حاولت نفسه الأمارة بالسوء أن تجره إلى منعرجات الطريق ، مرة أخرى بعد أن خرج من أزمته ، يتذكر تلك التجربة القاسية المؤلمة ، فيلزم نفسه أن تعود إلى الجادة ، وتبقى عليها ، مهما شق عليها السير على هذه الجادة ..!
بمثل هذه المسألة ونحوها :
يتجلى لنا كم في تقدير البلاء من ألوان الرحمة ، لو كنا نفقه عن الله أحكامه ..!
وما قصة يوسف ويعقوب عليهما السلام ، وما جرى عليهما من ألوان البلاء ببعيدة .. بل وما قصة موسى والخضر عليهما السلام ببعيدة كذلك ..
ألسنا نقرأ هذه القصة كل جمعة ، ربما لنجدد مثل هذه المعاني في قلوبنا فلا تُنسى ، وحتى تبقى في مقدمة الشعور ، لا تبرح دائرته ، فإذا ادلهمت الأمور علينا على غير ما نحب ، وجدنا أنفسنا في تمام الجاهزية ، فنتلقاها بتوفيق من الله ، برحابة صدر ، وموفور إيمان ويقين وثقة بالله ، لأن القرآن الكريم كان قد هيأ نفوسنا ، لتلقي مثل هذه الصدمات ، ليصنع منا أناسا غير عاديين ، في زمن غير عادي !!
فهل نجد أنفسنا نقرأ كتاب الله سبحانه بهذه الروح ، أم أنها ألسنة تدور ، وقلوب لا تعي ما تسمع ولا ما تقرأ !!
وشيء آخر له علاقة بهذه المسألة .,.,
هل تستطيع أن تحول كل سلبية تقع عليك أو منك ، إلى أمر إيجابي تستثمره ، وتبني عليه ، فإذا بك تصنع من الخل عسلاً وشهدا ..؟!
إذا نجحت في ذلك تكون قد ضمنت بعون الله تعالى ، أن تعيش طيب النفس ، قرير العين ، مطمئن القلب ، رضي الروح ..!
بينما الدنيا من حولك تغلي غليانها ، وأهلها يضطربون ولا يكادون يهدأون !
تقع في هفوة ، أو ينزل بك ما لا تحب ،
أو يؤذيك أحد السفهاء ، أو تشكو من أمر ،
أو لم تتحقق لك أمنية ، أو .. أو ...الخ
عليك أن تتوقف مع نفسك لحظات ، وترفع رأسك إلى السماء ، ثم تعود إلى نفسك لتقول لها :
إن الله جل شأنه لا يبتلي عبده المسلم لإهانته أو للعبث به ، أو للانتقام منه ، فليس بينك وبين الله ثأر ..! بل هي حكمة يعلمها ولا تعلمها .
فهو إنما يسلط عليك سوط بلاء ، ليرى ردة فعلك على ما يواجهك مما لا تحب في تقلبات حياتك .. ومن ثم :
فعليك أن تفكر قبل أن تقدم على أية خطوة ، أو تحكم بأي حكم ، تفكر هل يمكنك أن تحول هذا الأمر السلبي ، إلى أمر إيجابي تنتفع به ، ويقربك من الله سبحانه ، قلب الأمر جيداً ، كما يقلب الطباخ طبخة يتعب فيها ، ليلتذ بها فيما بعد ، وأعد النظر مليا فيما وصلت إليه ، وانظر إلى ذلك الأمر من زوايا مختلفة ..
وأحسبك بعون الله تستطيع ذلك ، فإذا نجحت في هذه الخطوة :
فاعلم أنك تكون قد ولجت دائرة التميز الحقيقي في هذه الدنيا ، فالمتميزون في هذه الدائرة أقل من الكبريت الأحمر ..!
يتحدث كثيرون عن ألوان متنوعة من التميز ..ولكن دائرة التميز هذه هم الأقل عددا .. ( وقليل من عبادي الشكور ) فلما لا تكون واحدا من هؤلاء ...!؟
ويلزمك هنا أن تحمد الله كثيرا وطويلا ، فإنك في نعمة لا يدرك قيمتها إلا العارفون بها ، وستكتشف هذه القيمة مع تكرار التجربة ، وستذوق طيباتها التي تجعلك تتألق باستمرار ، وقد تصل إلى الحد ،ى الذي يراك الناس فيعجبون منك ، في الوقت الذي تنظر إليهم وتتعجب منهم كيف يتعجبون مما أنت فيه ، وما الذي يحول بينهم وبين أن يتذوقوه كما تتذوقه .!
أما الثمرة الكبرى ، والقيمة الحقيقية ، والمفاجأة التي سيطرب لها قلبك :
فيوم يُحشَر الناس لرب العالمين ، حيث ترى تلك المواقف نفسها ، قد تحولت إلى أمثال الجبال الهائلة من الحسنات البيضاء ، تقول لك : هنيئا ..!
ولعلك يومها تود لو كانت ساعات عمرك كلها ، كلها على تلك الشاكلة من الابتلاءات التي لا تتوقف .. !
غير أنا نقول _ كما علمنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم _ :
اللهم إنا نسألك العفو والعافية ، في الدين والدنيا والآخرة ..
وعلى هامش هذه المعاني أقول : ..
كم يملأني العجب حين أقرأ قول القائل _ وما جرى مجراه _
إذا كان هذا الدمع يجري صبابة ** على غير ليلى فهو دمع مضيع !
فأقول :
بل إذا كان هذا الدمع يجري ، على غير هذه المعاني الراقية ،
فهو والله دمع مضيع ، وقد يكون صاحبه مأزوراً لا مأجوراً . ..!
نسأل الله أن يكرمنا بكرامة عباده الصالحين في الدنيا والآخرة ..
**
كتبها بو عبدالرحمن