ثانيا : آداب الكلام
إن الكلام الطيب المتزن الهادف له ثمارها الحلوة مع الأصدقاء فإنه يحفظ مودتهم ويستديم صداقتهم ويمنع كيد الشيطان بينهم , قال الله –عز وجل – (( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا )) وحسن الكلام مع الأعداء والخصوم يطفئ خصومتهم ويكسر حدتهم (( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم )) .
إن عظماء الرجال يحرصون في جميع أحوالهم أن لا تبدر منهم لفظة نابية ويتحرجون أن يكونوا سفهاء أو أو متطاولين و ثرثارين (( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين )) ولقد جاءت تعاليم الإسلام بجملة من الآداب التي يجب الإلتزام بها عندما يريد المرء منا أن يتكلم منها :
1-أن يكون الكلام هادفا إلى الخير :
قال الله عز وجل (( لا خير في كثير من نجواهم الإ من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ))
معناه : لا خير في كثير من أحاديث الناس الإ من أمر بصدقة أو بما تعارف عليه الشرع أو إصلاح بين الناس . وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم – (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت )) متفق عليه( شرح الحديث في كتاب جامع العلوم والحكم) . وقال (( من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة )) متفق عليه.
لذا فمن شأن المسلم الخائف من ربه والراجي لرحمته وجنته الأ يخوض فيما لا يعنيه وأن يتجنب الكلام غير الهادف والذي لا تتوفر فيه نية خالصة ولا خير من ورائه.
2-البعد عن الالفاظ المنكرة والشاذة و عن السخرية :
فلا ينبغي للمؤمن أن يتحدث بمنكرات الأقوال والألفاظ النابية , قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- (( ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء )). رواه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان.
وقال تعالى (( ياأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون )) بل لا ينبغي أن يجلس المؤمن في مكان فيه منكر الإ إذا كان على نية لتغيير هذا المنكر , قال تعالى (( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره , وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين )) سورة الانعام.
3-البعد عن المماراة والجدل :
إن الجدال الذي لايراد منه الوصول إلى الحق هو المنهي عنه شرعا كالذي يقصد به تعجيز الغير وإفحامه من غير سبب شرعي فهذا جدل خبيث يكرهه الاسلام . فهناك أناس أوتوا بسطة في ألسنتهم , تغريهم بالاشتباك مع العالم والجاهل , وتجعل الكلام لديهم شهوة غالبة فهم لا يملون من الكلام أبدا وقد حذرت تعاليم الاسلام من هذا النوع من الثرثرة والجدل , وبينت أنه سبب للضلالة بعد الهدى , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه , الا أوتوا الجدل )) رواه ابن ماجه وأحمد والترمذي.
4-عدم رفع الصوت وعدم الجهر بالقول :
قال تعالى ((ياأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون )) . سورة الحجرات
وهذا من آداب مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي وصية لقمان الحكيم لابنه (( واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير )) سورة لقمان.
5-عدم التكلف في الكلام :
فعلى المسلم الأ يتكلف في كلامه بإظهار الفصاحة وهو لا يحسن ذلك وليس له عادة له . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – (( إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة : أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إلي , وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون )) قالوا : يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون , فما المتفيهقون ؟ قال المتكبرون )) رواه الترمذي وقال حديث حسن .
يقول الإمام النووي – رحمه الله – (( الثرثار هو كثير الكلام تكلفا والمتشدق : المتطاول على الناس بكلامه ويتكلم بملء فيه تفاصحا وتعظيما لكلامه , والمتفيهق : أصله من الفهق وهو الإمتلاء وهو الذي يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه ويغرب به تكبرا وارتفاعا , وإظهارا للفضيلة على غيره )) كتاب رياض الصالحين للنووي – باب حسن الخلق .
6-الاقتصاد في الكلام :
قال تعالى (( يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا )) وورد في الأثر ((خير الكلام ما قل ودل )) (( وكثير الكلام ينسي بعضه بعضا )) وتنسب هذه الاثار إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه , والاقتصاد في العبارة دليل على الحكمة والبلاغة في القول , ولقد أوتي رسول الله –صلى الله عليه وسلم – جوامع الكلم , فينبغي التشبه به –صلى الله عليه وسلم ما استطعنا .
7-التمهل وعدم الاسراع في الكلام :
فينبغي التمهل وأن يكون الكلام بعبارات واضحة مفهومة , وعدم الاسراع فيه , فلقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أن المستمع لرسول الله –صلى الله عليه وسلم – يكاد أن يعد عبارته وهو يتحدث (صلى الله عليه وسلم ).
8-عدم مقاطعة المتحدث :
وأهم ما يجب مراعاته هنا عدم الكلام عندما يتلى كلام الله عز وجل , قال تعالى (( وإذا قرئ القرءان فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون )) وإذا كان الانسان لا يرضى أن يقاطعه أحد أثناء حديثه , ويغضب لذلك , فما بالك بكلام الله عز وجل اعظم الكلام , والعرف يستقبح مقاطعة المتحدث .
9-أن يخاطب كل انسان بما يناسبه شرعا وعقلا وعرفا :
ينبغي أن يخاطب كل إنسان على قدر عقله وفهمه وعلى قدر طاقته وقدرته وبالاسلوب المناسب له , قال علي رضي الله عنه ( حدثوا الناس بما يعرفون , أتحبون أن يكذب الله ورسوله ) رواه البخاري .
وقال بن مسعود رضي الله عنه ( ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم الإ كان لبعضهم فتنه ) رواه مسلم . وقال تعالى (( لا يكلف الله نفسا الإ وسعها )) وقيل : إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع .
[
COLOR=DarkOrange]10-لا يمدح الإنسان نفسه و لا يمدح غيره ومن لا يستحق :[/COLOR]
قال تعالى (( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى )) وتزكية النفس داخلة في باب الإفتخار . وقد نهى النبي –صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله (( إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب )) رواه مسلم . وسمع النبي –صلى الله عليه وسلم – رجلا يمدح رجلا , فقال (( ويحك قطعت عنق صاحبك )) متفق عليه . أما اذا أردت أن تثني على إنسان فقل : نحسبه على خير ولا نزكيه على الله . كما يجب على المسلم أن يحذر تعظيم الفاسق والكافر والمنافق , فإن النبي –صلى الله عليه وسلم – نهى عن ذلك فقال : (( لا تقولوا للمنافق سيدا فإنه إن يكن سيدا فقد أسخطتم ربكم عز وجل )) رواه أبو داوود بإسناد صحيح ومعنى ذلك أن الكافر والمنافق والفاسق يبغضهم الله فلا يجوز لمسلم تعظيم من يبغضهم الله .
11-التثبت والصدق في القول و الإخبار :
قال تعالى (( يأيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )) وقال تعالى (( ما يلفظ من قول الإ لديه رقيب عتيد )) وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم –(( كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع )) رواه مسلم . وقال صلى الله عليه وسلم (( إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة , وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا , وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار , وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا )) متفق عليه .
12-أن يقصد بكل ذلك وجه الله عز وجل :
وهذا أهم شرط لقبول أي عمل من الأعمال الصالحة , فمراعاة كل ما سبق ينبغي أن يقصد به الإنسان وجه الله عز وجل وحده , ولا يريد بذلك أي شئ من حظوظ النفس وحطام الدنيا الفانية : قال تعالى (( لا خير في كثير من نجواهم الإ من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس , ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما )) وقال –صلى الله عليه وسلم – (( إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ ما نوى )) متفق عليه .
كان صلى الله عليه وسلم طويل الصمت دائم الحزن
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح
والله المستعان وبالله التوفيق.