وأما ضعف متنه فهو يكمن في الأمور التالية :
أولاً : أن دعاءه عليهم كان مرتين لا ثلاثًا ، كما جاء في الروايات التي هي أقوى إسنادًا من إسناد هذه الرواية .
ثانيًا : قولـه : (( لم يصبح في المدينة )) يعارضه ما جاء في بعض الروايات السابقة ، والتي هي أقوى إسنادًا من هذا الإسناد ، من أنه عليه الصلاة والسلام استجيب له في يوم الأربعاء بين الصلاتين .
والمراد بالصلاتين الظهر والعصر ، فكيف يصح بعد ذلك أن يكون استجيب لـه في صبيحة ذلك اليوم بإهلاكهم ، وقد مكث بنو قريظة أيامًا محاصرين حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ ؟!!
ولهذا المتن مخالفات أخرى للمتون الصحيحة ، ويكفي ذكر ما تقدم منها للقضاء على هذا المتن بالنكارة .
فالحديث على هذا لا يصح متنًا ولا سندًا .
وللحديث شواهد أخرى كثيرة ، رواها ابن زبالة في كتاب أخبار المدينة( ) ، وذكرها السمهودي في وفاء الوفا (3/831-832) ، وهي وإن لم أطلع على أسانيدها لفقدان كتاب ابن زبالة من عالم المطبوعات ، بل والمخطوطات ، لكنه يكفي عن ذلك أن ابن زبالة ، والتي مدار تلك الأسانيد عليه في عداد المتروكين ، وسراق الحديث ، والمتهمين بالوضع( ) ، وقال الحافظ في التقريب : كذبوه .
ومن كان هذا حاله فلا يعتبر بحديثه ، ولا يكتب ، فضلاً عن الاحتجاج به ، فلا تغتر بكثرة تلك المرويات ، فإن مدارها عليه ، وربما كان لها علل أخرى ، ولكن حال دون ذلك الوقوف على أسانيدها !
وأما متونها فلا تخلو من نكارة ، ولكن - كما يقال - حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق .
وللحديث شاهد سابع من حديث هارون بن كثير ، عن أبيه ، عن جده ، جاء فيه ذكر مسجد الفتح .
أورده ابن النجار في الدرة الثمينة ص (189) ، وقطب الدين الحنفي في تاريخ المدينة ص (134) ، والسمهودي في وفاء الوفا (3/832) عن هارون بن كثير ، عن أبيه ، عن جده .
وإسناده ضعيف جدًا ، مسلسل بالمجاهيل .
فهارون بن كثير ، وأبوه وجده ، ظلمات بعضها فوق بعض ؟!!
أما هارون ، فقد نصَّ على جهالته جماعة من العلماء ، كأبي حاتم ، كما في الجرح والتعديل (9/94) ، والذهبي في المغني (2/705) ، وقال ابن عدي في الكامل (7/127) : شيخ ليس بمعروف .
قُلتُ: وليس بمعروف عنه أيضًا أنه يروي عن أبيه عن جدِّه فإنَّ جميع المصادر التي ترجمت له ذكرت أنَّه يروي عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامه الباهلي لا عن أبيه عن جدِّه !.
فلا أدري أهارون بن كثير الذي في إسناد مسجد الفتح هو ذاك الذي يروي عن زيد بن أسلم ؟!
فإن كان هو ، فهو مجهول كما قال أبو حاتم والذهبي وغيرهما
وإن كان غيره فهو مجهول بمرَّة لأنَّ ذاك ترجم له وهذا لم يترجم له فأين كتب التراجم عن ذكره ؟!! وهي قد جمعت فأوعت !
وإن كنتُ أظنُّ أنَّه هو لأنَّ طبقته في الإسنادين واحدة .
وعليه فهو مجهول على أقل الأحوال
وأما أبوه كثير فلم أستطع معرفته لا سيما وأنه لم ينسب فهو مهمل .
وكذلك جدُّه لم أستطع معرفته لا سيما وأنه لم يذكر اسمه فهو مبهم .
وقد وقع عند قطب الدين الحنفي في تاريخ المدينة ص (134) وعن هارون عن كثير عن أبيه عن جدِّه فإن كان تصحيفًا وقع عنده فالأمر كما تقدم .
وإن كان ما وقع عنده هو الذي على الجادَّه عن هارون عن كثير لا هارون بن كثير كما وقع في الدرة الثمينة في تاريخ المدينة وفي وفاء الوفا فالأمر فيه إشكال .
لا سيما في تعيين هارون ، فيكون مهملاً كأبيه بعد أن كان معينًا ، وأنه ابن كثير .
وقد بحثت في ترجمة كل من قيل فيه هارون في تهذيب الكمال ، فلم أجد فيهم أحدًا يروي عن من يقال له كثير أيًا كان ، وهم عدد ليس بالقليل .
وبحثت في ترجمة كل من قيل فيه كثير في تهذيب الكمال فلم أجد فيهم أحدًا يروي عنه من يقال له هارون أيًّا كان وهم عدد ليس بالقليل .
فالأمر مشكل جدًا في تعيين هارون إذا كان الإسناد هارون عن كثير وأمَّا كثير فالأقرب في شخصه أن يكون هو كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني فإنه هو الذي يروي عن أبيه عن جدِّه .
وطبقة كثير راوي إسناد هذا الحديث هي طبقة كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني أيضًا .
فإن كان كثير الإسناد هو كثير بن عبد الله فإسناده ضعيف جدًا ويتدحرج إلى الوضع ما كان يروي فيه عن أبيه عن جدِّه فإنَّها نسخةٌ موضوعةٌ كما قال ابن حبان في المجروحين (2/221) .
وأبوه عبد الله بن عمرو بن عوف ضعيف أيضًا قال فيه الحافظ في التقريب مقبول يعني حيث يتابع وإلا فلين الحديث .
وهذان الإسنادان هارون بن كثير عن أبيه عن جده ، أو هارون عن كثير عن أبيه عن جده أحدهما هو إسناد الحديث قطعًا وهما كما رأيت غارقان في الحضيض والضعف الشديد .
وللحديث شاهد ثامن من حديث يحيى بن النضر الأنصاري
أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة (1/64-65) قال ( أبو غسان ) حُدِّثنا عن ابن أبي يحيى عن أبي بكر بن يحيى بن النضر الأنصاري عن أبيه : (( أَنَّ النَّبِيَّ لَم يُصلِّ في مَسْجِدٍ مَا في جَوبَةِ المَدِينَةِ إِلاَّ في مَسْجِدِ أُبَيِّ بن كَعْبٍ في بَنِي جديلة ... وَمَسْجِدِ بَنِي عَمْرِو بن مَبْذُولٍ وَمَسْجِدِ جُهَيْنَةَ وَمَسْجِدِ بَنِي دِينَارٍ وَمَسْجِدِ دَارِ النَّابِغَةِ وَمَسْجِدِ بَنِي عَدِيٍّ وَأَنَّهُ جَلَسَ في كَهْفِ سَلْع وَجَلَسَ في مَسْجِدِ الفَتْحِ وَدَعَا فِيهِ )) .
وإسناده ضعيف جدًا وفيه علل :
الأولى : الواسطة بين أبي غسان وبين ابن أبي يحيى فإن أبا زيد عمر بن شبة صرح في تاريخ المدينة (1/75) أن أبا غسان لم يلق ابن أبي يحيى .
الثانية : أن ابن أبي يحيى وهو كما تقدم مرارًا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي متروك .
الثالثة : أبو بكر بن يحيى بن النضر الأنصاري مستور كما قال الحافظ في التقريب .
الرابعة : إرسال أو إعضال يحيى بن النضر الأنصاري فهو ثقة من الرابعة كما في التقريب .
وللحديث شاهد تاسع من حديث معاذ بن سعد .
أورده السمهودي في وفاء الوفا (3/836)عن معاذ بن سعد أن رسول الله (( صَلَّى في مَسْجِدِ الفَتْحِ الَّذِي عَلَى الجَبَلِ ، وَفي المَسَاجِدِ الَّتِي حَوْلَهُ )) .
وهذا حديث لم أقف لـه على إسناد ، ولم يعزه السمهودي إلى أحد ، فضلاً عن كتاب .
وقد بحثت عنه كثيرًا في كتب السنة ، ولم أجده ، فهو أشبه ما يكون بتلك الأحاديث التي ليس لها أصول ، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ، إلا أن يكون المقصود بمعاذ بن سعد ذلك المجهول الذي نص على جهالته غير واحد ، منهم الحافظ في التقريب .
منقول من موقع أهل الحديث وشبكة سحاب السلفية
التعديل الأخير تم بواسطة بنت العلماء ; 2008-06-20 الساعة 6:25 PM.
|