عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 4  ]
قديم 2008-06-20, 5:53 PM
بنت العلماء
عضو متميز بالمنتدى
رقم العضوية : 43814
تاريخ التسجيل : 14 - 1 - 2008
عدد المشاركات : 2,842

غير متواجد
 
افتراضي
الفصل الثاني
تخريج الأحاديث الواردة في المساجد السبعة

لم يأت ذكر المساجد السبعة كلها في الأحاديث ، وإنما جاء ذكر مسجد الفتح ومسجد الأحزاب ومسجد بني حرام منصوصًا عليها ، وأما مسجد سلمان  فقد ذكر بما يعرف من موضعه ، وباقي المساجد لا ذكر لها في الأحاديث ولا في الآثار .
تخريج الأحاديث الواردة في مسجد الفتح
عن جابر بن عبد الله  أن النبي  (( دَعَا في مَسْجِدِ الفَتْحِ ثلاثاً يَومَ الاثنينِ وَيَومَ الثّلاَثَاءِ وَيَومَ الأَرْبِعَاءِ ، فَاسْتُجِيبَ لَهُ يَومَ الأَرْبِعَاءِ بَينَ الصَّلاتَينِ فَعُرفَ البِشْرُ في وَجْهِهِ )) .
قال جابر : (( فلم ينزل بي أمرٌ مهمٌ غليظٌ إلا توخَّيتُ تلك الساعة فأدعو فيها فأعرفُ الإجابةَ )) .
بهذا اللفظ أخرجه أحمد في مسنده (3/332) والبخاري في الأدب المفرد( ) (2/167/704) والبزَّار كما في كشف الأستار (1/216 /431) ومن طريقه ذكره ابن بشكوال في المستغيثين بالله (ص 39/برقم 54) وابن عبد البر في التمهيد (19/200-201) وابن الجوزي في المنتظم (3/234-235) وابن النجَّار في الدُّرة الثمينة في تاريخ المدينة (ص 189) كُلُّهم من طريق كثير بن زيد عن عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر به .
والحديث أورده البيهقي في فضائل الأوقات برقم (305) وقطب الدين الحنفي في تاريخ المدينة (ص 134) .
قال البزَّار : عقبه (( لا نعلمه يروي عن جابر إلا بهذا الإسناد )) .
قلت : هذا الإسناد جوَّده الحافظ عبد العظيم المنذري في الترغيب والترهيب (2/180)( ) والسيوطي في سهام الإصابة في الدعوات المستجابة ص(75)
وأشار الحلبي في حلبيته (2/108) والسيوطي في الخصائص الكبرى
(1/382-383) إلى ثبوته .
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/12) (( رواه أحمد والبزار ورجال أحمد ثقات )) .
وقال السَّمهودي في وفاء الوفا (3/830) :(( ورُوِّينا في مسند أحمد برجال ثقات )) وذكر الحديث .
قلت كلا فإنَّ في إسناده علتين ؟!
الأولى : كثير بن زيد فهو وإن وثقهُ البعض إلا أن الأغلب على تضعيفه وقد اختلف قول ابن معين فيه فتارة يُضعِّفه وتارة يوثقه وأعدل ما قيل فيه أنَّه (( صدوق يُخطئ )) ذلك الحكم الذي توصَّل إليه أخيرًا خاتمة الحفاظ الحافظ ابن حجر في كتابه التقريب .
وهو كما قال الحافظ رحمه الله : (( صدوق يخطئ )) يؤكِّد ذلك اختلاف الرواة عليه في هذا الحديث فقد رواه الإمام أحمد وغيره عن أبي عامر العقدي وهو (( ثقة )) عن كثير بن زيدٍ عن عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر به (( في مسجد الفتح )) .
ورواه أيضًا محمد بن المثنى وهو (( ثقةٌ ثبتٌ )) عن أبي عامر العقدي وهو ( ثقة ) كما تقدَّم عن كثير بن زيد عن عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله أنَّ النبي  (( دَعَا في مَسْجِدِ قُبَاء ثلاثاً !! ... )) والباقي بلفظه ومعناه .
أخرجه بذلك البزار كما في كشف الأستار (1/216) وابن عبد البر في التمهيد (19/200-201) من طريق البزَّار عن محمد بن المثنى به .
ورواه أيضًا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي وهو ( صدوق ) عن كثير بن زيد عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بلفظ (( دَعَا رَسُولُ اللهِ  في مَسْجِدِ الأَحْزَابِ !! )) والباقي بنحو ما قال أبو عامر العقدي ومعناه .
أخرجه بذلك ابن سعد في طبقاته (2/73) والواقدي في مغازيه (2/488)( ) وابن الغطريف في جزئه برقم (68) ، ومن طريقه المقدسي في الترغيب في الدعاء برقم (47) ، والبيهقي في شعبه (7/453-454 /3591) ، وابن عبد البر في التمهيد (19/201) ، كلهم من طريق كثير بن زيد كما تقدم عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بنحوه .
وهذا الاختلاف من الثقات على كثير بن زيد لم يكن في الإسناد فقط ، بل في الإسناد والمتن جميعًا .
فهو تارة يحدِّث به عن عبد اللهِ بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك( ) ، وتارة يحدث به عن أبيه( ) ، وتارة يحدث أن (( دُعَاءَ هُ كَانَ في مَسْجِدِ الفَتْحِ ))( ) ، وفي ثانية أن (( دُعَاءَ هُ كَانَ في مَسْجِدِ قُبَاء ))( ) ، وفي ثالثة أن (( دُعَاءَ هُ كَانَ في مَسْجِدِ الأَحْزَابِ ))( )( ) .
ومن كان هذا حاله يختلف عليه الثقات في الحديث الواحد ، وهو قد طعن فيه بأنه (( صدوق يخطئ )) اعتبرنا ذلك الطعن ، وأجرينا عليه القبول والرضا .
لا سيما إذا كان ذلك الراوي ليس من الحفاظ المعروفين بالحفظ وجمع الطرق وكثرة الرواية ، كما هو الحال في كثير بن زيد .
قال ابن حجر في التلخيص الحبير (6/216) : (( لكن هذا التلوُّن في الحديث الواحد مع اتحاد المخرج يوهِّن راويه ، وينبئ بقلة ضبطه ، إلا أن يكون من الحفاظ المكثرين المعروفين بجمع طرق الحديث ، فلا يكون دالاً على قلَّة ضبطه )) .
قلت : كثيرٌ ليس بكثير الحديث ولا الرواية كالحفاظ المعروفين بجمع الطرق ، فالاختلاف عليه ينبئ بقلة ضبطه كما ذهب إلى ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله فيمن حاله كان كذلك .
وغمز شيخ الإسلام حديث جابر هذا بكثير بن زيد ، وذلك في اقتضاء الصراط المستقيم ص (429) قائلاً : (( وفي إسناد هذا الحديث كثير بن زيد ، وفيه كلام يوثقه ابن معين تارة ، ويضعفه أخرى ، وهذا الحديث يعمل به طائفة من أصحابنا وغيرهم ، فيتحرون الدعاء في هذا كما نقل عن جابر !! ولم ينقل عن جابر ! أنه تحرى الدعاء في المكان ، بل تحرى الزمان )) .
وقولـه كما نقل ولم ينقل من صيغ التمريض تشعرنا بتضعيفه لهذا الحديث ، وعدم ارتياحه لما نقل عن جابر  .
العلة الثانية في إسناده : عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك . ترجم لـه البخاري في التاريخ الكبير (5/133) ، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (5/95) ، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً .
وذكره ابن حبان في ثقاته (7/3) ، على قاعدته في توثيق المجاهيل !!
فلا يلتفت إلى توثيقه ، ويبقى عبد الله بن عبد الرحمن في حيز المجهولين ، ومستوري الحال ، كما هو معروف عند أهل العلم في مثل هذه الحال .
قال ابن كثير في تفسيره (1/139) عن موسى بن جبير الأنصاريّ : (( ... وذكره ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل ، ولم يحك فيه شيئًا ؛ لا هذا ولا هذا ، فهو مستور الحال ... )) .
وبهذا نعلم جهالة حال عبد الله بن عبد الرحمن ، وضَعْفَ كثير بن زيد كما تقدم ، وهما في إسناد أحمد وغيره .
ومن هنا نعلم أيضًا خطأ قول الهيثمي في مجمع الزوائد (4/12) ، ومن تبعه على قوله عن هذا الإسناد (( بأن رجال أحمد ثقات )) .
وهو فيه ضعيف ومجهول الحال كما قد عرفت ، فلا تغتر بقولهما ، ولا بمن تبعهم على هذا التوثيق ، أو حسن أو جود هذا الإسناد ، فإن أكثر المتقدمين على خلاف قولهم .
وإن تعجب فاعجب لقولهم عن هذا الإسناد (( بأن رجاله ثقات )) ، وقد تركوا توثيق ما هو أحسن منه حالاً ، ذاك الإسناد الذي خرجه ابن سعد وغيره كما تقدم عن عبيد الله عن كثير بن زيد ، عن عبد الرحمن بن كعب ، عن جابر في مسجد الأحزاب .
وليس لهذا الإسناد علة( ) سوى كثير بن زيد ، بخلاف الإسناد الذي وثقوا رجاله ، فإن له علتين : كثير وعبد الله بن عبد الرحمن .
وأما أبوه (( فثقة )) كما قال الحافظ في التقريب .