الأطفــــال الكبـــــار
لا جمال ولا لذة في الدنيا ،
أروع ولا أحلى ولا أرقى ، ولا أنقى ،
ولا أكمل من لذة الإقبال على الله جل جلاله ، والأنس مناجاته وذكره ،
والعيش في أجواء طاعته ..
وكل ما عدا ذلك فسرابٌ خادع ،
يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ،
ووجد الله عنده فوافاه حسابه ..
نعم سراب خادع وإن ظنه
" الأطفال الكبار "
ماءً عذباً سلسبيلاً يروي العطاش ..!
فمقاييس الأطفال دائماً ناقصة ، قصيرة ، ضيقة ، وساذجة أيضاً ،
يضحك منها العقلاء ..
فيا " أطفال الدنيا " أما آن لكم أن تشبوا ...!
( أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس ..)
من كان على غير طريق الهداية ،
فهو في الظلمات يخبط على غير هدى ..!
ومن كان يخبط في ظلمات يركب بعضها بعضاً ،
فكيف يصح أن نصدقه إذا زعم أنه سعيد في ظلمته ملتذ بها ..!
كما أن هذا لا يكون ، فذاك أيضاً _ والله _ لا يكون ..
ما لكم كيف تحكمون ؟ أفلا تعقلون ؟؟!
* * *
وصل أول للفكرة السابقة نفسها :
قال له صاحبه وهو يحاوره :
كيف تزعم أن هؤلاء كمن يركض وراء سراب خادع ،
ونحن نراهم يستمتعون ويلتذون بما هم فيه .؟
قال له صاحبه :
نعم ، يستمتعون
كاستمتاع طفل صغير غير مميز ، يأكل التراب ويمص الحصى ..!
أما رأيت في حياتك طفلاً يفعل ذلك ..؟
قال صاحبه وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة :
بلى والله ، وأحسبه كان مستمتعاً للغاية ..!
قال له صاحبه : تحسبه ..! كلا بل كن على يقين من ذلك ،
أرأيت لو أنك ضربته على يده لتمنعه من لعق التراب ، كيف ستكون ردة فعله ؟
سيبكي بحرقة ، حتى تسيل دموعه على خديه .!
وسيرى أنك ظلمته أي ظلم بمنعك إياه مما كان فيه ،
وإن كنت تعجب منه لما يفعل ، فهو أكثر عجباً منك لأنك لا تفعل ..!
ثق أن هذه مثل تلك ، سواء بسواء ،
يرى الصغير أنه في غاية الاستمتاع ، ويرى الراكضون وراء الشهوات المحرمة
أنهم يستمتعون كذلك ..!
والحقيقة غير ذلك ، ولكن خمرة الهوى تأثيرها قوي للغاية أفقدتهم التمييز ..!
يا صاحبي .. أيعقل أن يتعرض قلب لسخط الله وغضبه ،
ثم هو يجد سعادة حقيقية خلال ذلك ؟ لا والذي خلق الخلق وفطر السماء ،
ولكن خمرة الهوى تجعل هؤلاء لا يحسون
( صمٌ بكمٌ عمي فهم لا يعقلون .)
بو عبد الرحمن