النظرة الشرعية حق أقره الشارع لأهميته، فشريعتنا لم تغفل النواحي النفسية وحاجة كل شخص لرؤية ما يسره في شريك حياته، خاصة وأن من حق الشاب فسخ عقد
النكاح إذا ظهر في الفتاة خلاف ما وصفوا له، وفي هذه الحالة نستطيع القول أن عدم رؤية الشاب للفتاة قبل الزواج قد يكون سببا من أسباب الطلاق فيما بعد،
وبالتالي كانت نظرة الشرع عادلة لكلا الطرفين وهذا الأمر يعد من محاسن شريعتنا التي أرادت السعادة والتوفيق للمجتمع الإسلامي.
ما الذي سيحدث إن استغنينا عن النظرة الشرعية؟
بالطبع نكون قد تركنا سنة نبوية أقرها الشرع لضمان التوفيق للعباد، وما ترك أناس سنة ذات أهمية كهذه إلا هلكوا، والمحاكم تشهد بذلك.
دائما نقول أن كل شيء قضاء وقدر، ولكن إعمال العقل مطلب شرعي، واتباع الهوى مذموم، فإن أردنا التصرف بناء على أهوائنا وما نحب ومالا نحب وبناء على
عاداتنا وما سيقوله الناس عنا دون أي إعتبار لسنة جاءت لتنقذنا من مشكلات قد تحدث لاحقا فلنا ذلك، ولكن علينا تحمل نتيجة اختيارنا.
هل يستغل البعض النظرة الشرعية كي ينظر للفتاة بطريقة مقبولة إجتماعيا؟
نعم قد يحدث ذلك من ضعاف النفوس ولكن الحل في يد ولي أمر الفتاة قبل أي شخص آخر.
ولي الأمر مطالب بأن لا يفتح بابه إلا لمن يخاف الله، ومن ثم يختبر صدقه بالطرق المتعارف عليها، ومشكلة
بعض الآباء قبولهم الفوري للشاب خاصة إذا كان من عائلة معروفة، ويسمحون له بالنظرة الشرعية قبل السؤال
عنه وقبل معرفة رضى أهله وقبولهم بهذا النسب.
لذا أرى إذا جاء الخاطب من المفترض أن يسمع له ويختبره من خلال الأسئلة ثم يحدد معه موعد آخر ليرى الفتاة، وخلال هذه الفترة يتقصى الأب عن الشاب ويسأل عن دينه وخلقه وقدرته على الزواج ومتطلباته، فإن رأى في ذلك خير يستقبله ويطلب منه أن يحضر والديه ليتأكد من جدية الشاب، ومن وهنا قد يتحرج البعض من إحضار الوالدين مخافة ألا تعجبه الفتاة، فيؤدي ذلك إلى إحراج والديه خاصة إذا استقبلتهم عائلة العروس بحفاوة وكرم حاتمي وكانت عائلة معروفة في المجتمع ولها وزنها. في هذه الحالة على ولي أمر الفتاة التخفيف من هذا الشعور فيخبر الجميع أنه تشرف بزيارتهم ويبلغهم إن كان في هذه الزيجة خير سيمضيها الله وإن لم يكن كذلك فقد كسبنا جلسة طيبة مع أناس طيبين، وعلى أهل الشاب عدم إجبار ولدهم على هذه الزيجة إن لم تعجبه العروس وعدم تزيينها له وحثه على التنازل عن رغبته فيما أراده في زوجة المستقبل خاصة إن كانت رغباته قوية ويصعب عليه التخلي عنها، على أولياء الأمور النصح والإرشاد بحكمة وتعقل ثم يعطوا للأبناء حرية الإختيار.
ولي أمر الفتاة والشاب يجب أن يدركوا أن هذا الذي يخاف الله أيضا له متطلباته النفسية ومتطلبات كفلها له الشرع، وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم (إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ ، فإن ذلك أحرى إلى أن يؤدم بينهما ) ومعنى هذا أن رسولنا الكريم منح الإنسان حرية أن يختار ما يدعوه للإرتباط بها، والإختيار يعني قد يقبل وقد لا يقبل، وهذا الإختيار يمنحه الحق في قول لا أريد الطويلة، لا أريد البيضاء أو السمراء أو البدينة أو الضعيفة أو الشقراء ......الخ، حتى وإن قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أظفر بذات الدين تربت يداك)، فإن هذا الحديث لم يذم او يُسفّه من اختار الجميلة، بل يختار ذات النسب أو الجمال ولكن يتحرى أن تكون أيضا صاحبة خلق وملتزمة بدينها كي يظفر.
هناك أنماط شخصية لها مزاجها الخاص، ولها رغبات وميول من الأفضل لنا احترامها كي لا نفسد حياة الأبناء، فالشاب الذي يقول لوالديه لم تعجبني فلانة ثم يزينوا له محاسنها وتبذل الأم والأب والأخوات كل ما في وسعهم كي يقبلها لأنها الأنسب في نظرهم، قد لا تكون هي الأنسب في نظره، ولهذا من الأفضل عدم الزامه ولا نضغط عليه وتركه يختار بنفسه.
منذ فترة ليست وجيزة جاء رجل لخطبة قريبة لي بلغت من العمر الخامسة والثلاثين، وهو في الأربعين من عمره، سمعنا من نسيب لنا وبعض الأصحاب أنه رجل ذو خلق ومحترم ومن عائلة محترمة، تحدث معه أهل الفتاة ورحبوا به ثم طلبوا منه بعض الوقت للسؤال عنه، احتاج والد الفتاة بعض الوقت كي سأل عنه إذ أن من يثق في رأيهم خرجوا في سفر، وخلال هذه الفترة صرح الخاطب لنسيب لنا أنه لم يعجبه مغادرة منزل الفتاة دون السماح له برؤيتها، فوصله رد بأن هذه عادة أهل هذا البيت الذي ذهبت لخطبة ابنتهم، وسكت ولي أمر الفتاة حتى سمع ما يرضيه، ثم أرسل لمن أحضره بأن يخبر الخاطب إن أراد المضي في هذا الأمر فليتفضل، وللأسف، ظهرت عليه علامات الكبر وتقدير للذات في غير محله، فقد رأى أن عمره ومركزه لا يسمح بالتعامل معه كغيره، وفي الوقت ذاته رأت عائلة الفتاة عكس ذلك، فهي ترى أن عمره ومركزه يتطلب منه التريث، وإحترام عادات البيت الذي أراد مناسبة أهله، وتقدير العائلة التي لا تسمح لأي رجل برؤية الفتاة مالم تكن سمعته شاهد على حسن خلقه.
رأي الفتاة كان موافقا لرأي عائلتها، وحمدوا الله على هذا الموقع الذي كشف جزء من شخصية الخاطب.
شكرا لك أختي حبيبة أمها على هذا الموضوع.