رأيتُ كثيراً من البلاد في رحلةِ عمرٍ طويل ، شرقاً وغرباً ،
ووصلت إلى أطراف الهملايا في أقصى شمال الهند ، وإلى مدينة الصخب وقمة التكنولوجيا نيويورك ،
مروراً بكل العواصم العربية ، وأغلب عواصم أوربا ،
ورأيت العالم المتحضر بقشوره ، والتاريخ الإنساني بجذوره ،
ورغم هذا وذاك ..
ما شعرتُ لحظةً واحدة برغبة في العودة إلى أيٍ من تلك البقاع التي مررت بها ..
فقط هي ، هي التي تشدني ، الأرض المباركة، أدخلها بعبرة تسيلُ من فرحة اللقاء ،
وأخرج منها بعبرات الدعاء ،، حسرةً على فراقها ، ورغبة في العودة إليها ..
في أم القرى زحام ، تعب ، جري ، والجسد لا يرهق !
فالنفس مطمئنة ، والقلب مطمئن ،
بنظرة إلى البيت الحرام تمسح كل بقايا الدنيا ، تغسل الجسد من همومه ،
تتخلص الذات من بشريتها ، تحلق الروح في سماء النقاء والصفاء ..
مدينة ليست كالمدن ... وأرض ولا كل الأراضي ... !
الداخل إليها سعيد ، والخارج منها حزين .. !!
حزين لأنه سيترك بقعة أحبها قلبه ، وهامت فيها روحه ..!
وفي طيبة الطيبة .. نور ، وهدوء ، وسكينة ، ومحبة ، وأنس ،
أرض الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ،
خير من مشى على هذه الأرض ،
ما دخلتها إلا وشعرتُ بأنني ولدت هناك !
وأنني واحد من أهلها ، وأن أهلي كانوا بها ، وتنفسوا هواءها ،
وتسح الدموع على مدخلها ، وتهيج اشواق القلب عند رؤية مسجد الحبيب محمد
عليه أفضل الصلاة والسلام ،
وما تمنيت في حياتي شيئاً بقدر ما تمنيت لو أني كنت فيها يوم
" طلع البدر علينا " ..واقفا في " ثنيات الوداع " ..!!
أرقب مع المترقبين ، وأشدو مع الشادين ودموعي تغسل وجهي ،
وأنا أرى أعز الحبايب محمداً صلى الله عليه وسلم يطل على المدينة..!
إلى هذه الأرض فقط يشدني الحنين ،
وكلما خرجت منها استعجلت العودة إليها ،
ويتجدد معها اللقاء بين الحين والحين ،
وفي كل مرة أدخلها وكأني أراها لأول مرة ..يهتاج القلب ، وتسح العين ..!
.
وليت هذه البقعة المباركة تكون آخر عهدي بالدنيا ،
آخر ما تبصره عيني ، وتحسه نفسي ..
على أمل أن أحشر مع الحبيب محمدٍ عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام
واليوم تتنازعني الأشواق _ وأنا فيها _
بين وطن أعود إليه ، ودار حب وسلام أغادرها ،
وصوت من داخلي يبتهل في خشوع :
اللهم اجعل عودتي إلى بيتك الحرام ، ومدينة حبيبك عليه الصلاة والسلام
قريبة قريبة قريبة .. يااااااا رب .. !
كتبها بو عبدالرحمن