حدثني الآن واصدقْ :
هل في المنعمين من ذا جوده ؟؟
وهل في المحسنين من ذا تفضله ؟؟
وهل في المشفقين من ذا رفقه ..؟
وهل في الكرماء من ذا عطاؤه ؟؟
وهل في المحبين من ذا نافلته ؟
وهل في القادرين من ذا اقتداره ؟
وهل في الناظرين من ذا اختياره ؟
وهل في الماضين والغابرين من ذا إصداره وإيراده ؟؟
لا .. لا وحق الحق الذي يلهج به الخلق ..
ما يقدر على هذه العجائب إلا هو ..
ولا يجود بهذه المواهب إلا هو ..
ولا يأتي بهذه الغرائب إلا هو ..
جلّ معبوداً ومقصوداً ، وعزّ مطلوباً ومجوداً
[ سبحانه جل شأنه وتبارك اسمه وتعالى جده ]
فالزم هداك الله حدك في العبودية .
واستعصم في نفسك من آفات البشرية ..
وتبرأ من كل ما فضحك من البرية ،
ولن تبرأ من كل خطية ، ولن تطهر من كل بلية
إلا بيد من عنده قوية ..
[ فالهج بالدعاء والتضرع بين يديه ليرحمك فيمن رحم
فإنه خير الراحمين ...]
***
يا هذا .. دعواك كلها وقاحة ..
وخلقك كله وتاحة [ أي قل وصار تافهاً ]
وسرك كله خبيث ، وسيرك في الباطل حثيث ..
وجهرك نفاق ، وباطنك شقاق ،
وذكرك حيلة ، وسكوتك غيلة [ خديعة ]
ومعاملتك اختلاس ، وأمانيك أدران وأدناس ، ووعظك خديعة
واتعاعظ ريح ، وبعضك غثاء ، وكلك هباء ، وعبادتك رياء
وحضورك غيبة ، وآخر أمرك خيبة ..!
كأنه ليس لك إلى الله أوبة ،
لأنك بنيت أمرك كله على المكر والغيلة
وعلى الغش والمكيدة ، وعلى الهوى والمطمعة ،
وعلى الخساسة والنجاسة ،
وعلى الجهالة والنذالة ، وعلى طلب العاجلة دون الآجلة ..
فلا جرم بار سعيك في حياتك التي لا تعود عليك ،
وانبتر أملك في كدحك بما لا ثمرة لك عندك ،
فما أشأم ناصيتك على نفسك ، وما أقل رحمتك لروحك ،
وما أسخاك في كل ما يضرك ، وما أطوعك لشيطانك ..!
إن عدو الله لا يرضى منك إلا بالبعد عن باب الله
وإلا بالخزي والهوان من ثواب الله ..
يا هذا ..
لو قد علمت ما قد نزل بك ، وما صُبّ على هامتك
وما أحاط بك من شقائك ، لملأتَ الدنيا صراخاً على نفسك
وسألت النواحين أن يساعدوك بالبكاء على ما فاتك ..
أي مصيبة أنت على نفسك ..؟!
وأي بلاء أعظم مما قد استولى عليك ؟!
قلبٌ لا يهب فيه نسيم الوجد ..
وفكرٌ لا ينتهي إلى تمييز الباطل من الحق .
وعينٌ لا تترقرق بالدمع على الخد ..
ورأي لا يصح في الوقوف عند الحد ..
ونفسٌ لا تبالي بالهجران والصد ..
ونصيحة لا تُقبـل على ما فيها من الخير والرشد ..
يا هذا ..
فُتنتَ بهذه الزينة الحائلة .. وذهبتَ مع هذه العاجلة الزائلة
فلا نجوع لقولٍ فيك ..
ولا أثرٍ لفلاح منك ..
فاسكب الآن دموعك على هذه الحال التي قد حصلت عليها
وشق عليك النزوع عنها ، فإن الدموع المنحدرة
على هذه الخدود النضرة ، شفاء للأكباد المحترقة بالندامة والأسف ،
ألا ترى كيف يقول الأول :
لعل انحدار الدمع يعقب راحةً ** من الوجد ويشفي نجيَ البلابلِ
يا هـــذا ..
سار _ والله _ الركب المخبون وتركوك ..
ونجا _ والله _ المخفون ، ولم يلووا عليك ..
وحمد المدلجون السرى ، وبقيت تعض أناملك من الغيظ والأسى
يا هذا ..
قد كان القوم أناخوا عندك ، وسألوك الرحيل معهم ،
وبذلوا لك المعونة جهدهم ، وقدموا لك راحلتهم
وجبذوا بناصيتك طاقتهم ، ووعدوك أن يبلغوك غايتهم ،
ورفقوا بك ، ثم خوفوك الوحشة بعدهم ،
والندم على ما يفوتك منهم [ إن تخلفت عنهم ]
فأبيتَ وتوانيتَ ، وجمحتَ وطغيتَ وتعديتَ وبغيتَ ،
وتفردتَ برأيك ، وظننتَ ظنوناً كلها عليك ..!!
[ ويحك ..أما ترحم نفسك ؟ ]
فلما حقت الحقيقة ، وجاءت المصدوقة ،
أخذتَ تلوكَ لسانك بالويل
وتحك عينك بالإصبع ، وتقول :
يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله !
***
يا هذا ،، الحق أحق أن يُتبع ..
خير الأدوية ما نجع .. خير الكلام ما نفع ..
خير الأخوان من ردع ..
يا هذا ..
بالله عليك ارحمني إذ قلتُ ، وارحم نفسك إذا سمعتَ
ومهما شككتَ في شيء ، فلا تشكنّ في أمركَ الذي خلص لك
أعني الرحيل عن هذه العرصة ،
إلى كنف رب جليل :
بهِ وُجدتَ ، وبه عُرفتَ ، وبه حييتَ ، وبه سُعدتَ
وبه عقلتَ ، وبه رشدتَ ، وبه أُكرمتَ ، وبه أُعطيتَ
وبه حُرمتَ ، وبه سررتَ ، وإليه نُسبتَ ،
وإليه انتهيتَ ، وإليه سعيتَ ، وإليه اشتقتَ ..
كنفٌ ما آوى إليه أحدٌ إلا وجد أماناً من البؤس ..
كنفٌ ما سكنه أحد ، إلا فاز بالرضوان ..
كنفٌ ما شامَ برقهِ أحدٌ ، إلا وثق بالسح الدائم ..
كنفٌ ما لاذَ به أحدٌ ، إلا تُوِجَ بالعلم والحكمة ..
كنفٌ ما استنشق هواه أحدٌ ، إلا وقيَ كل سقم ..
كنفٌ ما ألفهُ أحدٌ ، إلا وثق بالكفاية ..
كنفٌ ما اطلع أحدٌ على ما فيه ، إلا سلا عن كل ما دونه ..
كنفٌ ما سمع أحدٌ بوصفه ، إلا هام عليه ..
كنفٌ عرفه العارفون فهاجروا إليه ، وقضوا حياتهم في طلبه ،
وتعاونوا على قصده ، وصبروا على كل مكروه من أجله ..
**
يا هذا ..
ارفق بعباد الله إذا دعوتهم إليه ،
وشوقهم بالآيات التي تتابعتَ على كل بعيد عنه ، وقريب منه ..
ولا تعجب من قلة إجابتهم ..
واعلم أن ما تنطوي عليه من الحق ،
هو الذي ينتشر عنك عند الخلق
وما تنتسب إليه في السر ، هو الذي تدل عليه في الجهر ..
يا هذا ..
الاعتراف بالنعمة مدعاة للزيادة ،
والزيادة موقوفة على الاعتراف ،
والشكر عنوان ذلك ..
وإذا وصفنا نفوسنا بالغفلة ، فقد دللنا على بعض الانتباه
لأن الغافل لا يشعر بغفلته ..
**
يا هذا ..
بأي قوةٍ أنعشكَ عن صرعتك ، وأنا على مثل حالك ؟
لا معرج إلا على باب الله ..
ولا ظن يحسن إلا بالله ..
ولا أمل يصح إلا في الله ..
ولا رجاء يستقيم إلا في ما عند الله..
ولا خير يحق إلا عن الله ..
ولا توكل يصح إلا على الله ..
ولا نجاة إلا بروح الله ..
ولا أنيس إلا بكرامة الله ..
ولا ظفر الا بنصر الله ..
ولا عز إلا بتعزيز الله ..
ولا سكنى إلا في جوار الله ..
ولا أمن إلا في حرم الله ..
ولا غنى إلا من خزانة الله ..
ولا فوز بالجنة إلا بتفضل الله ..
ولا خلاص من النار إلا برحمة الله ..
**
كن لآلآء الله من الشاكرين ، ولفضله من الذاكرين ..
وزن رجاءك بالخوف وزناً عدلاً ، ثم رجح الرجاء ،
فإنه أدل على كرم المرجو ..
وقابل التوكل بالتعرض مقابلة صحيحة ،
ثم اجعل الرجحان في جانب التوكل
فإنه أشبه بحال العبيد ..
**
أيها الصاحب الغادي عليّ بخشوعه ، الرائح إليّ بخضوعه
الملتمس من الحكمة ما قد أفل نجمه ، واجتث أصله ..
إن كنتَ إنما تريد مباهاة لأبناء جنسك ،
واستطالة على من يشير إشارتك ،
وطلباً للعز عليهم في دعواك ..
فذاك واللهِ أدل على أنك ممقوتٌ عند ربك ،
ومحجوبٌ عن ودائع الله قِبَـلك ، ومحرومٌ في أولك وآخرك ..
**
يا هذا ..
لولا منائحه قِبَلك ما عرفته ..
ولولا أنك عرفته ما وصفته ..
ولولا أنك وصفته ما اشتقت إليه ،
ولولا أنك اشتقتَ إليه ما تهالكتَ عليه .
وفي الجملة : لولا أثره فيك ما عزفت نفسك عن سواه
ولا ذوبّت كلمك في هواه ..
**
أيها الصاحب المؤثر للطائف ..
متى انفتح بصرك لطلب حياة نفسك ،
وانشرح صدرك لتعرف كمالك وفضلك ،
حنّ فؤادك إلى الفحص عنك ، بما يحقق يقينك ،
ويجمع لك صفتك ..
فقابل ذلك كله بالقبول ، واستعن عليه بالصبر ،
وصل الصبر بالاستسلام ، وامزج الاستسلام بالتوكل
وحلّ التوكل بالمحبة ، وثبت المحبة بالصدق ،
وجُلْ في أثناء الصدق بالإخلاص ، ومُجْ في الإخلاص بالوجد
وجُدْ في الوجد بالموجود ، فهناك مكانك ومعانك [ منزلك ]
وولايتك وسلطانك ..
**
متى أحسست في مفترق حالك ومجتمعها ،
وفي مضعن مناك ومرتعها ، بهاجس الحس ،
فلا تَعُجْ عليه ،
ومتى أحسستَ في معتقدك ومعتمدك ،
وفي ماتحك ومغالقك ، خيفة من تسويل نفس ، وتزيين هوى
فلا تفرق منه ، ولا تنجذب إليه ..
**
يا هذا ..
لاحظ قديم إحسانه إليكَ ، وغريب امتنانه عليك،
وغامر أياديه لك ، وصوافي مواهبه عندك ..
كيف أظهرك بقدرته البالغة ؟
وكيف قلّبكَ في نعمهِ السابغة ؟
وكيف عجنكَ من صنعته الرائعة ؟
وكيف دلك على معرفته البارعة ؟
وكيف قربكَ من حقيقته الشاسعة ؟
وكيف آمنك من سطوته القارعة ؟
يوحشكَ بهذه الأعاجيب إلى نفسه حوشاً بعد حوش
وينوشك بهذه الأساليب إلى أنسه نوشاً بعد نوش
وأنت .. أنت على عادتكَ في الفتور والنفور
مؤثراً لمخاوض الظلمات على النور ؟!
لمَ ذلك ؟ وفيمّ ذلك ؟ وعلامّ ذلك ؟؟
أما أزاحَ علتك ؟ أما وقر طاقتك ؟ أما نهج سبيلك ؟
أما وضح دليلك ؟ أما رفق بك ؟ أما أخذ بيدك ؟
أما أنعم إليك ؟ أما أحسن إليك ؟ أما حباك ؟
أما قدّم إسعافك ؟ أما عظم إلطافك ؟ أما غذى عينك ؟
أما نصر وليك ؟ أما خذل عدوك ؟
بلى ، ولكن الإنسان لربه لكنود ، ولآياته عنيد
ولنعمه جحود ..
يا هذا ..
أما سمعتَ من قال : أين تُقتطف ثمار العقبى ؟
فقيل له : حيث تُغرس اشجار البلوى ..
يا هذا ..
لا تُسحرنّ فالحديث ذو شجون ، والحال مختلفة الفنون ،
صل الجد بالمزح ، وامزج العذب بالملح
واخلط العتب بالصلح ، ليكون أغرب في غرائب العبرة ،
واذهب لعجائب الفكرة ..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ..
ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا
ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به
واعفُ عنا ، واغفر لنا ، وارحمنا ..
أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين .
**
يبقى أن أقول أن هذه المادة من منقولي وليس من مقولي
غير أني تدخلت قليلا جداًُ كوضع رتوش هنا وهناك
وأسأل الله أن يتقبل منا ويرضى عنا ويبارك فينا وفيكم حيثما كنا وكنتم
بو عبد الرحمن