يا هذا ..
استشعر العظمة فإنك بهذا الاستشعار تستحق التكرمة ،
يا هـذا ..
لا تجعل التقصير ديدناً لك ، فليس كل وقت يحتمل ذلك ،
واحذر نفسك ، وحذّرها منك ..
يا هـذا ..
إن كنت من أهل المحنة ، فلا تنظر إلى المحنة ،
ولكن انظر إلى المنة في المحنة ..
يا هـذا ..
افحص عن ودائع الحق فيك ، وانفض خزائنه قبلك ،
واشهد آلاءه عندك ، واطلب مزيده بالشكر على ما نوّلك ،
فإذا أعوزك الشكر ، فاعترف بالعجز عن القيام بما أمرك ،
فوّض إليه ما زوى عنك علمه ، وطوى دونك حكمه ..
يا هـذا ..
انظر إلى زينة الكون مستظرفاً ،
وفكّر في دواوين ملكوته مستعرفاً ،
وانتبه عن رقدتك متخوفاً ، ثم انتبه في انتباهك متوقفا ،
يا هـذا .. إن عاقك العجز المبذور فيك ،
عن تناول الجوهر المنثور عليك ، فنحْ على نفسك نوح الثكول
وكاشفها مكاشفة النصوح العقول ،
وافتتح أمرها بأن تفطمها عن عاداتها ، وتكظمها عن حرتها ،
وتخدمها مستخدماً لها ،
فإذا صرخت عليك فاضحة لك ، فامتهنها صائناً لها ،
وذللها طالباً لغيرها ، فإنها إن لم تطعك كل الطاعة ،
لم تشنع عليك كل الشناعة ..
يا هـذا ..ارفق قليـلاً .
وانقر الذكرَ بالفكر ، واطلب المزيد بالشكر ،
وشرّف القول بالعمل ..
***
أفدي والله عيناً باتت تدمع من خشية الله ..
بل أفدي والله نفساً ظلت خاضعة مهيبة ، هيبةً له ،
بل افدي والله لساناً تلجلج بالاعتذار إلى الله ..
بل أفدي والله قلباً ما زال خافقاً من حياء الله ..
بل أفدي والله يداً كفت بنانها عن تناول ما لم يبحه الله
بل أفدي والله عقلاً اشتاق إلى موعود الله ..
***
يا هذا .. إلى متى تدبر وأنت عندك أنك مقبل ؟!
وإلى متى تصم ، وأنت في حسبانك أنك تسمع ؟!
وإلى متى تعمى ، وفي تقديرك أنك مبصر ؟!
وإلى متى تحسب أنك رابح ، وأنت عين الخاسر ؟!
***
يا هـذا .. طهّر نفسك من الحرقة على فائت الدنيا ..
وقدّس نفسك من الأسف على ما لم تُرزق في الأولى..
وتطامن لحكم الحق ، وإن شق عليك ..
إياك ( ولو ) فإنها مزلقة ..
وإياك و ( لعل ) فإنها مغلقة ..
وإياك والهوى فإنه معلقة ..
وإياك والتهمة فإنها مغرقة ..
وعليك بالفكر الصحيح ، والرأي الصريح ، والصاحب النصيح ..
فإنك بهذا وأشباهه تنعم سراً وجهرا ..
قرن الله جهدك بالتوفيق ..
وعصمك بالحياطة ، وهداك بالحق إلى الحق
يا هـذا .. قـدّم إلى حضري شخصك ،
وأخر عن فهم مقالي نقصك ، وقرّب أذنك ، وفرّغ بالك ،
وحصّن عقلك ، ومكّن قلبك ، واستوقف حسك ،
واحفظ باليقظة نفسك ، واعصِ طبعك ، وانسَ رفعك ووضعك ،
واعرف الحق في ما انبذ إليك ،
واعلم أن سوابق زفراتي في الحال
من دفين وجدي به ، وبوادر عبرتي عليه من مكين شوقي إليه ..
يا هــذا ..
سلْ لطفه ، واطلب عطفه ، فإنه إن رأى فقرك رحمك ،،
وإن شهد أودك قوّمك ، وإن شاهد تضاؤلك عظمّك ،
وإن رأى حاجتك وفاقتك سوّمك _ اي ملكك _ ..
وإياك والاعتراض عليه ..
اشهد آلاءه راعيا لحقه فيها بالشكر ..
وفّق الله الجميع ، وجعلك منهم ، ولا أفردني عنك ،
وأنطقك بلسان آلائه ، وحرسك بعين ولائه ،
وثبتك على مهاج صفائه ..
ثق بالله ، واسكن إليه ، وتوّله فيه ،
واعتمد عليه ، واطلب المزيد لديه ..
يا هــذا ..
اقبل مني كلمة واحدة ..
لا تسكن إلى الدنيا ، فإنها وحشة ، والقلوب فيها مستوحشة ،
استغفر الله إلا من محبتكم ...والسلام عليكم ورحمة الله ..
***
يا هــذا اسمع بآفة أخرى :
الهـوى مركبي ، والهـدى مطلبي ،
فلا أنا أنزل عن مركبي ، ولا أنا أصل إلى مطلبي ،
ولعل انقطاعي عن مطلبي ، إنما هو لاعتلاقي بمركبي ..
بل هو ذاك ، وفوق ذاك ..
فإذا سمعت خطابي ، وفهمت عتابي ، فمتعني بإرشادك لي ،
وزوّدني مما أفاء الله عليك ..
لعل دواءك يقع على دائي ، فأتخلص قليلاً من نفسي
التي قد صادفت الشيطان وهوت في غروره عند كل أمر وشأن ،
وإلا فنُح عليّ باكياً ..
ومتى أرشدتني بعد طمعك فيّ ، أو نحت عليّ بعد يأسك مني ،
فقد قضيت حق الأخوة ، وبُنتَ بين معارفك بفضل المزية ..
أسألك بحق الحق إلا جُدتَ عليّ بما استطعت من ذلك ،
فما فزعت إليك إلا بعد أن صفرتْ يدي مني ،
وإلا بعد أن انقطع رجائي من علمي وظني ..
***
يا هـذا .. قف قليلاً عليّ ، واعتبر فيّ طويلاً ،
ثم إن كان في أخلاقك طهارة ، ولك في أيثار الحسنى بطانة وظهارة ..
فتعطّف عليّ برقة من قلبك ورحمة من نفسك ،
سهوٌ قد غمرني ، وحالٌ قد حال بيني وبيني ،
وغفلةٌ أتت على زمي وحلي .
[ زمي : زم الرحال ، الظعن .. الحل :الإقامة .]
وفترةٌ جامدةٌ بين الجوارح ، وعبرةٌ واجفة على الجيب بالحسرات
وعبرةٌ واقفة في القلب من الجمرات ..
ومالي ملاذٌ إلا بالذي أبلى ..
هو مالك الظل ، إن شاء قلّص ، وإن شاء اسبغ ،
وهو العالم بالحال ، إن شاء قطع ، وإن شاء بلّغ ،
صبراً على النائبات صبراً ، ما صنع الله فهو خير ..
ربوبيةٌ لا تليق إلا به ، وإلهية لا تنبغي إلا له ،
يا هـذا ..
إرادةٌ مشوبة ، وحال مختلفة ، وخُلُق عسر ،
وبال خاثر ، وقولٌ كلما رام استنارة ازداد ظلاماً ،
وقلبٌ كلما حاول خموداً ، ازداد احتداماً ..
***
طوبى لمن باشر فؤداه ببرد اليقين ، وحُلّي بحلية المتقين ،
بل طوبى لمن نفث في روعه الأمن ، وكفى في معاملته الغبن ،
بل طوبى لمن إذا تنفس الصعداء تذكر السعداء ..
يا هـذا ..
أطلق عنان همتك في ميدان راحتك ،
واستعفف في ظاهرك ، واستشرق في باطنك ،
فإنك بأحدهما تكسب عزوفاً ، وبالآخر تنال معروفا ..
له سبحانه في كل وقت تدبير لا يُحاط به ..
يا هـذا ..
أخلص ونادِ .. تُجبْ..
واقصد توفّق .. وانوِ تُعـن ..
ومهما ونيت فيه ، وفترت عنه ، وقصرت دونه ،
فإياك والشرك به ، والإفك عليه ..
ولست أريد بالشرك شرك الجاهلين ، ولا بالإفك أفك المخالفين ،
فإنك تمسّ بهما جميع أهل الدين ،
وإنما أعني بهما ما خفي ولطف ، لا ما ظهر وكثف ..
***
إنما خاب أملك فيه ، لأنه لم يصفُ من كدر غيره ..
كما رد طاعتك عليك ، لأنها لم تُنقّ من الرياء ..
فاجتهد عافاك الله أن تقل العمل لأن تحقق الإخلاص ،،
فإن من حقق الإخلاص ، صار من أهل الاختصاص ..
***