( خارطة الطريق ........إلى ...............إلى السعادة ..!! )
لماذا يخفق كثيرٌ من الناس في الوصول إلى السعادة النفسية ،
على الرغم أنك ترى كثيرا من هؤلاء منعّم عليه ، متيسرة له أموره ،
تشعر أنه يعيش في بحبوحة من نعيم الدنيا ، ومع هذا تجد هذا الصنف يشكو ويئن ،
ويتوجع ويتأفف ، لكونه لا يجد طعماً حقيقياً لسعادة نفسية تفيض على قلبه ،
فهو متكدر في ليله ونهاره ..!!
الحقيقة التي يجهلها أكثر الناس : أن السعادة أقرب إليهم مما يتصورون ..!
نعم ، هي في متناول يدك ، لكنك إما لا تراها ، أو لا تعرف كيف تمد يدك
لتضغط على زر الإضاءة ! أو أنك إنسان قد استذله هواه ، واستعبدته شهوته ،
فهو يمضي في دنياه كالمسحور ، لا سمع ، ولا بصر ، ولا عقل ..!!
إن السعادة الحقيقية ليست حكراً على شعب دون آخر ، ولا على طبقة دون أخرى ،
بل إن السعادة ليست بكثرة عرضٍ من مال يسيل من بين الأصابع ، ويفيض من الجيوب
ولا عرض من جاه يتشامخ به بعض الأقزام على من حوله ، ولا هو بنجومية زائفة
ينخدع بها الناس ، وصاحبها في عناء منها !!
إن السعادة أمر من داخلك أيها الإنسان ...
هي ينبوع يمكنك تفجيره إذا استطعت تحريك مفاتيح معينة في قلبك !!
يقول نبي الرحمة ورسول الهدى ، وطبيب القلوب محمد صلى الله عليه وسلم :
" ليس الغنى بكثرة العرض ، إنما الغنى غنى النفس "رواه مسلم
ويقول شاعرنا المسلم :
ولستُ أرى السعادةَ جمعَ مالٍ ** ولكن التقيّ هو السعيدُ
آآآآهٍ آآآه !! هذا هو المفتاح الحقيقي إذن !؟
إن تحصيل التقوى أسرع طريق تستجلب به حياة القلب ،
وبحياة القلب تنبت السعادة كما تنبت النخلة ، جذرها في الأرض ، وفرعها في السماء ،
تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها !!
حين تغمر أنوار التقوى ومراقبة الله ، واستحضار عظمته ومعيته في قلبك ،
تهتز جوانب قلبك ولابد ، وتشرق زواياه ، وتنعكس تلك الأنوار على سيما الوجه ،
وتفيض بما يدور به اللسان من أطايب الكلام ، وعذب الحديث ، وإشعاعة الروح..!
إن أنوار التقوى هي التي تشيع طعم الرضا ،وتفيض بالطمأنينة على أجواء القلب !
فلا تكن أحمقاً أيها الحبيب الغافل ..!!
لا توصد الأبواب في وجهك بيديك ، ثم تصيح في هلع : لماذا لا يفتحون الباب !؟
عليك أن تثق ابتداءً أن تحصيل السعادة ممكن وقريب ومتاح ..
فلا تبعثر وقتك ، ولا تبدد أنفاسك في هموم صغيرة ، تستهلك روحك ،
ولا تسرف في الحزن على أمور مضت وانقضت ، ولا توغل في مشاعر الإحباط
التي قد تتعثر فيها بين الوقت والوقت ..
بل احرص على أن تجعل من كل عثرة سبيلاً لنهضة جديدة ،
وجاهد نفسك لتطرد عنك هموم قلبك الصغيرة ،
فإن الله يتولى الصالحين ، ولا يضيع أجر المحسنين .. !
سل نفسك كل حين : هل أنت حقاً من الصالحين !؟ وهل تجد نفسك من المحسنين !؟
استقبل الحياة بابتسامة عريضة _ رغم مواجعك الكثيرة ! _
لأن الله سيظل لطيف بعباده ، رحيم بالمؤمنين رؤوف بهم ..
وإنما يبتلي الخلق لينظر كيف يصنعون ، فاجهد على أن تُري اللهَ منك خيراً ،
لتنال محبته لك ، ورضاه عنك !!
اجعل ذهنك دائماً صافيا نقيا كالورقة البيضاء ، وقلبك كذلك !!
لا تحمل للآخرين إلا حباً ووداً ، وخيرا ودعاء ، وثناء معطراً .!!
لا تحمّلْ قلبك فوق ما يطيق ، من أفكار تتعلق بأمور بعيدة لم يحن وقتها ، ولعلك لا تدرك ولادتها !
بل لا تحمل قلبك أفكاراً تتعلق بأقدار قضاها الله
ومضى حكمه فيها ، ولا حيلة لك معها ..!
وفي هذه الحالة اجعل قلبك يقول ويردد :
قدر الله وما شاء فعل ! الخيرة فيما اختاره الله الرؤوف الرحيم اللطيف الخبير الحبيب ؟!
اصغِ بكلية قلبك إلى ترانيم الحياة من حولك ، فإني أحسب أنك ستسمع كل شيء يسبح الله
ويحمده ، ويمجده ويثني عليه جل شأنه .
.فاعقد العزم على أن تشارك هذا الكون التسبيح والثناء المعطر على الله سبحانه ..
فإنه يحبّ ذلك منك ، وإذا رآك حريصا على ذلك ، مداوما عليه :
أفاض على قلبك ألواناً من السعادة ، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان !!
ألم يقل هو سبحانه ذلك ! ؟ فهل تشك بوعده !؟
عليك أن تكون متفائلاً دائما ، ومع كل ظرف تمر به ، وعند كل شدة تنزل بك ،
إن التفاؤل يجعل شمسك لا تغيب !
ويوشك أن تتوهج مشرقة بكل قوة ،
لأن جرعة التفاؤل كفيلة أن تزيح الغيوم السوداء التي حجبت نورها !!
المهم الآن ،
أن تعرف كيف تطرق باب السعادة ، وأن تدمن هذا القرع ولا تمل ولا تكل ..!
وأن تطيل الوقوف على الأعتاب ..
وأن تدمن الدعاء والضراعة والانكسار بين يدي ملك الملوك ، مَن قلوب الخلائق
بيده وحده ، يصرفها كيف يشاء ..
إذا صدقت هذه الوقفة ، وأطلت الوقوف بلا ملل :
فيوشك أن يفتح لك الباب ، ويفيض على قلبك ألواناً من معاني السماء
التي تبتهج بها ومعها روحك !!
عليك أن تثق تمام الثقة :
أن الله سبحانه أرحم بك من أمك وأبيك ، بل ارحم بك من نفسك التي بين جنبيك ،
ولكنه _ كما قلنا قبل قليل _ إنما يبتليك لينظر كيف تصنع !
على هذا وطن نفسك ، ومع هذا راقب قلبك ، ولهذا عش يومك وليلتك ..!
نعم ..
عش كما يعيش العصفور !
ألا تراه ينطلق من عشه جائعاً ، ولا يعود إلا وقد امتلأت بطنه بالرزق الطيب المبارك ..!!
وخلال رحلته للبحث عن هذا الرزق من هنا وهناك ، لا يزال يغني ويترنم ،
ويُطرب الحياة والأحياء من حوله !!
لا يضيق لأنه جائع ، ولا يعبس لأنه لم يجد رزقه بعد !!
ولا يتطلع إلى أبعد مما ينبغي فيصاب باليأس ، ولا يحمل هماً ينكد على قلبه عيشه !!
بل إنك لتجزم وأنت ترى هذا العصفور يتهادى في جو السماء ،
تجزم أنه يمضي حيث يمضي ، وربيعه الأخضر معه حيثما حل وارتحل !!
أيكون هذا العصفور الصغير أعقل منك أيها ( العااااااقل ) !!؟؟
ألا تعساً لعقل يجعل صاحبه أتفه من عصفور !!؟
عليك أن تملأ قلبك بالفرح الدائم ، وسر هذا الفرح يكمن أن تذكّر نفسك أنك مع الله تمضي
ولله تعمل ، وبين يديه تتحرك ، ومع مشيئته تتقلب ، وإليه سترجع ،
وهو ناظر إليك مع كل نفَسٍ يتردد في صدرك ..!
إذا نجحت في هذا الاستشعار القلبي لهذه الحقيقة الضخمة ،
ستجد الحياة من حولك تتبسم لك ، وتتهلل في وجهك ..!
نعم والله .!
إن السعادة كل السعادة تفيض على قلبك حين تنجح في استشعار قرب الله منك ،
وعطفه عليك ، ورحمته بك ، وحلمه عليك ، وإحسانه إليك ، وصبره عليك ،
ورقابته لك ، بل وفرحه الشديد حين تعود إليه تائباً ..!!
بل وأن تستشعر أن إقباله عليك ، أضعاف إقبالك عليه ..!
وأنه لا يزال يباهي بك ملاكة السماء ، طالما أنت مشمر معه ،
مقبل عليه ، مشتاق إليه ..!
وهل بعد هذا بعد ، يمكن أن يتطلع إليه إنسان عاقل ؟!
إن السعادة الحقيقية أن يبقى لسانك لاهجاً بذكر مولاك العظيم ليل نهار ، وصباح مساء ،
وفي كل وقت وحين ، ومع كل أحد ، وفي كل مجلس ..!
إن السعادة الحقيقية أن توطن نفسك على أن تكون ( وقفاً ) لله ..
كلامك له وفيه وعنه ومن أجله .. وحركتك وسكونك كذلك ، ويقظتك ونومك أيضا ،
وقراءتك وكتابتك ، وأكلك وشربك ، وضحكك وبكاؤك ..
ومزحك وجدك ، وحبك وبغضك ..!
فإن كنت كذلك حقاً ،
فإنك تكون قد أصبحت عبداً ربانيا ، تمشي على الأرض وأنت عظيم في السماء !!
السعادة الحقيقية أن يكون لك هدف واضح محدد في حياتك ،
تسعى له ، وتتعب من أجله ، وتعمل على تحقيقه ،
فإن لم يكن هذا الهدف هو تحقيق عبوديتك لله ، فاعلم أنك مضحوك عليك وإن .. وإن ..!!
قد رشحوك لأمرٍ _ لو فطنتَ له _ ** فاربأ بنفسكَ أن ترعى مع الهملِ
السعادة الحقيقية أن تصر _ رغم مواجعك الكثيرة _
أن تبتسم في وجه الدنيا ، حتى وإن كشرت هي في وجهك !
تبتسم لها ولأهلها كأنك غير مكترث أبدا بما تواجهك به من أكدار ونكد !
زادك في هذا أنك تستشعر ما أعده الله لك إذا نجحت في هذه المهمة!
املأ قلبك بالفرح السماوي ، وسينعكس هذا الفرح على محياك كله ،
ثم سيفيض على من حولك بالضرورة ..!
السعادة الحقيقية أن تقطع يومك كله مع الله ، مقبلاً عليه ، خادماً له ،
حاملاً هم دينه ، معرضا عن دوائر معصيته التي تعرضك لسخطه وغضبه .!
السعادة الحقيقية أن تكون أجندتك كلها في يومك وليلك ، تصب لصالح مزيد من القرب
من الله سبحانه ، وقد يكون ذلك من خلال خدمة الآخرين تقف معهم ،
وتمد لهم يد العون ، وتساعدهم بما تستطيع ، وتفيض عليهم بشراً وعطاءً ورحمة وحناناً ،
ولو بالكلمة الطيبة ، إن عز عليك المال ..!
واجعل شعارك معهم وأنت تجهد نفسك من أجلهم : لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا !
السعادة الحقيقة أن تكون مقبلاً على الحياة بروح الثقة بالله ، والاطمئنان إليه ،
والرضا بقسمته ، والانشراح لاختياره لك ، بنفس مبتهجة ، وقلب مطمئن ،
وروح تشعر معها وأنت تمضي في مناكب الأرض أنك :
واثق الخطوة تمشي مَلكا..!!
وأخيراً .. هل وصلت الفكرة إلى قلبك وعقلك ؟!
إذن يبقى عليك أن تترجمها في واقع حياتك ، ومع من حولك ،
وأن تجهد نفسك في هذا الطريق ، فإنه طريق رائع كثير المباهج .
لقد قالوا :
إن الإنسان تتحكم فيه أفكاره ، وتوجه له مسار حياته ، وتشكل له نفسيته ،
فاجعل أفكارك منذ الساعة ، تتمحور حول هذه المعاني وأمثالها ،
فإنها أفكار سماوية مشرقة ، ويوشك أن تجد صداها قريبا في قلبك ،
وواقع حياتك ، ولكن اصبر وصابر .
وقالوا قديما :
قل لي فيم تشغل فكرك في يومك وليلك ؟ أقل لك من أنت !!
فإن رأيت أن أغلب فكرك مشغول في هذه المعاني ، فاحمد الله كثيرا ،
فإنك تسير في طريق الإشراق ، ويوشك أن تصل ..
وإن كانت الأخرى ....
فاعلم أنك ارتضيت لنفسك الهوان .. فلا تشكونّ ذا الزمان !
ولا تلومن إلا نفسك ..وقديماً جنتْ على نفسها براقش !!
نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لكل ما يحبه ويرضاه ..
كتبها بو عبدالرحمن