معاني النـور في أذكار ما بعد الصلاة
قال الراوي :
قُضيت صلاةُ العشاء ، فكأنما عدنا إلى الدنيا بعد رحلة روح إلى ما وراء السماء !
ودارت الألسنة بأذكار ما بعد الصلاة ،
في خشوع قلب يغلي بالتسبيح : عجبا من غفلة الخلق عن هذا الفيض من العطاء الرباني ،
عطاء بسخاء لا مثيل له ، وهم في غفلة معرضون ، وبشهواتهم يتلهون ..!
ثم بحمد الله ثلاثاً وثلاثين ،
على فضله ، أن مَنّ الله علينا وهدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا برحمته ،
فكأنما نستزيد الله من فضله ، بمزيد من الشكر والثناء والحمد له ، ولئن شكرتم لأزيدنكم ..
ثم بالتكبير ثلاثاً وثلاثين
لنقرر في قلوبنا أن الله أكبر مما وجدنا من نعيم قلب ، وصفاء روح ، وأكبر من طاعتنا كلها ،
وأكبر من كل كبير فلا ينبغي الخضوع إلا له ..
ففي هذا تربية لنا أن لا نعجب بطاعتنا ، من جهة ،
وأن لا نذل أنفسنا لأحد من جهة أخرى .. !
وما أروع هذه المعاني وأمثالها ، وأنت تستحضرها ، وتكررها في كل يوم مرات ،
لتقررها في عقلك وقلبك وروحك ،
والأصل أن كثرة تكرارها بهذه الروح ، ستفعل فعلها في سلوكك ولابد ..!
ومن ثم كانت لحظات الأذكار هذه صلاة أخرى ،
تنتعش بها الروح ، وتواصل التحليق في سماوات مغمورة بالأنوار ،
يتعطر بها القلب ويبتهج ، وتتربى بها النفس وتتعظ ..!
ولكن للأسف أن ترى كثيرين لا يلتفتون إلى هذه الأذكار بمزيد عناية واهتمام ،
بل كثيرون ينصرفون بعد الصلاة مباشرة ، كأنما هم طيور كانت محبوسة في قفص ،
فلما فتح الباب ، طارت ..!
وكثيرون يجلسون ليديروا ألسنتهم بها ، ولكن قلوبهم لم تتشرب معانيها ،
ومن ثم لا يجدون صداها واضحا في قلوبهم ..!
إن لهذه الأذكار صدى في القلب هو أوقع وأقوى من غيره ،
لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد !
إنك تدير لسانك بها ، بعد أن طوفت روحك أثناء الصلاة ، في آفاق السماوات ،
وعادت محملة بالنور والبركة ،
فكأنما هذه الأذكار شكرا لله على ما من به عليك !
أو تعزيز لهذا النور ليزداد ثباتا ورسوخا في جذر القلب ، فتؤتي الشجرة أكلها بإذن ربها ،
حين تخرج من حدود المسجد ، لتواجه الحياة بهذه الروح المشرقة !
ومن ذاق صداها ، ووجد حلاوتها ، عرف أن كل ما قيل عنها ويقال ، أقل من الحقيقة بكثير !
فإنك لن تذوق حلاوة العسل من خلال ما تسمع من كلام طويل عن هذه الحلاوة ،
حتى تذوقه بلسانك مباشرة ، وكذلك الحال هنا !
لقد ارتبطت هذه الأذكار بالصلاة ، لتصبح غذاء يوميا لقلبك لا تغفل عنه ،
ولا يمكن أن تنساه ، وكيف تنساها وأنت تعلم أنها من متمات الصلاة ..!
إن هذه الصلاة وأذكارها محطة متجددة يومية ،
لتربية النفس وتزكيتها ، وصقل القلب وتهذيبه ، وتعطير الروح والسمو بها ،
فإذا اجتمعت هذه الأمور على تمامها ، ذاق القلب حلاوة يتقاصر بيان البلغاء عن وصفه ،
ويعجز لسان الخطباء عن تقريبه !
ومن لا يحافظ على هذه الصلوات وأذكارها في أوقاتها ، فمحروم وشقي !
وإن ظن أنه اسعد خلق الله في هذا العالم ،
وهل يعقل أن تكون السعادة في البعد عن مصدر السعادة وخالقها سبحانه !!
هيهات ، هيهات هذا بهتان عظيم ..!
لقد كانوا يقولون : من صاحب السعيد يسعد .
ونحن نقول بدورنا : فكيف بمن كان في صحبة الله جل جلاله .. ألا يسعد ؟!
أليس هو سبحانه ( الودود ) ، يتودد بألوان من الود لمن أقبل عليه !؟
بلى والله بلى ، ولكن أكثر الناس لا يعقلون !
فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .
كتبها بو عبدالرحمن