القلب الحي ..!
قال الراوي : سألتُ شيخنا يوماً : ما علامة القلب الحي ؟
فتبسم الشيخ وقال :
يا بُني ، لقد كان يقال :
من كان له قلب ، فلا يخطر فيه إلا شهود الرب !
أو هذا ما يكون الغالب على أحواله وتقلباته ..
وبيان ذلك :
أنه على مقدار قوة حياة القلب ، فإنه لا يلتفتُ إلى غير جهته التي ولاها وجهه !
وهذا قلبٌ ولي وجهه جهة السماء قصداً ! حتى ليكاد لا يرى دنيا الناس ،
وهي تموج موج البحر بكل فتنة ، وترمي من حوله بزبد الشهوات والشبهات!
فحين تقررت عظمةُ الله في شغاف هذا القلب ،
واحتلت هذه العظمة مساحة الإطار كله ، ذاب فيه كل ما عداه !
وعلى قدر قوة شهوده لهذه العظمة ، واستحضاره لهذا الجلال ،
انقطع قلبه إليه ، وبقي متعلقاً به ، لا يحلو له العيش إلا معه ، ومن أجله .!
ومن ثم تحرر من رق الشهوات ، وحطم أغلال الشبهات ،
وحلّق بجناح الشوق إلى مباهج الجنات ، وأفراح أهلها !
فكلما فزع إلى طاعة ، بادر إليها ولسان حاله يقول : وعجلتُ إليك رب لترضى !
هذا قلب يطرب للطاعة إذا حانت ساعتها ،
لأنه يتذوق فيها حلاوة أشد عذوبة من الشهد المصفى !
قال الراوي : فكيف السبيل إلى مثل هذا النعيم ؟
قال الشيخ :
لا يمكن الوصول إلى هذا أو بعضه ، إلا بالله وحده ،
فيلزمك إذن كثرة دعاء ،أن يكرمك الله بقلب مثل هذا ،
ويلزمك طول مناجاة وشدة تضرع ، وإدامة وقوف بالباب ، وشدة انكسار ،
وإظهار ضعف ، وإعلان عجز ، وتبرئ من الحول والقوة ! ،
ثم مجاهدة مستمرة للنفس الأمارة ،
واعلم أنك كلما انتصرت على هواك في جولة ،
أكرمك الله بمذاق خاص على قدر انتصارك ، وكلما كان انتصارك كبيرا ،
كانت كرامة الله لك أكبر ..!
ولا يزال هذا دأبك حتى تهب عليك نسائم القبول ، وألوان الكرم !
فضع هذه الحقيقة في ذهنك ، كلما برز لك الهوى بدعوة إغراء لمتابعته !
بمعنى :
ذكّر بهذه الحقيقة نفسك كل حين ، وعدها وتوعدها لعلها ترعوي !
ومع هذا كله يلزمك أن تراقب قلبك ،
وما ينصب فيه من خطرات وهواجس ، والهامات وإيحاءات ووساوس ،
فتصفيها أولاً بأول ، ولا تبقي منها إلا الصالح الطيب ،
حتى لا يستقر فيه شيء من الأكدار التي تُفقد القلب رونقه وبهجته ،
وربما سلبته حياته !
إذا دمت على ذلك مع الإكثار من نوافل الخيرات ،
وعلى رأسها الذكر الكثير ، بحيث يبقى لسانك دوماً رطبا بذكر الله ..
فيحق لك أن تقول لقلبك :
صبراً جميلا ، فقد لاحت بشائر النصر ، وما بقي إلا ترقب فرج الفجر ،
وهبوب نسيم الحياة ، وتذوق طيبات السماء على موائد الطاعات .. !
وما هي إلا غمضة عين وانتباهتها ، فإذا الأرض غير الأرض ،
وإذا سماء القلب قد أشرقت بنور ربها ، حتى توهجت منها الأنوار وفاضت ..!
اللهم ارزقني قلبا حياً يمور بالنور ، ويفيض بالخير ،
ويغلي بحبك وحب نبيك صلي الله عليه وسلم .. اللهم آمين .. اللهم آمين
كتبها بو عبدالرحمن