عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 2  ]
قديم 2008-05-19, 10:26 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي
. . وإنه لاتجاه إلى حقيقة لا يتجه إليها التفكير البشري على هذا النحو .

واتجاه إلى تصور هذه الحقيقة وتصويرها على غير مألوف البشر كذلك .

وإنما هو التوجيه الإلهي الخاص إلى هذا الأمر العجيب .

والتعمير يكون بطول الأجل وعد الأعوام ; كما يكون بالبركة في العمر ,

والتوفيق إلى إنفاقه إنفاقاً مثمراً ,

واحتشاده بالمشاعر والحركات والأعمال والآثار .

وكذلك يكون نقص العمر بقصره في عد السنين ;

أو نزع البركة منه وإنفاقه في اللهو والعبث والكسل والفراغ .

ورب ساعة تعدل عمراً بما يحتشد فيها من أفكار ومشاعر ,

وبما يتم فيها من أعمال وآثار .

ورب عام يمر خاوياً فارغاً لا حساب له في ميزان الحياة ,

ولا وزن له عند الله !

وكل ذلك في كتاب . . كل ذلك من كل كائن في هذا الكون

الذي لا يعرف حدوده إلا الله . .

والجماعات كالآحاد . والأمم كالأفراد . .

كل منها يعمر أو ينقص من عمره . والنص يشمله .

بل إن الأشياء لكالأحياء .

وإني لأتصور الصخرة المعمرة , والكهف المعمر , والنهر المعمر

, والصخرة التي ينتهي أجلها أو يقصر فإذا هي فتات ;

والكهف الذي ينتهي أجله أو يقصر فإذا هو محطم أو مسدود ;

والنهر الذي ينتهي أجله أو يقصر فإذا هو غائض أو مبدد !

ومن الأشياء ما تصنعه يد الإنسان . البناء المعمر أو القصير العمر .

والجهاز المعمر أو قصير العمر . والثوب المعمر أو قصير العمر . .

وكلها ذات آجال وأعمار في كتاب الله كالإنسان .

وكلها من أمر الله العليم الخبير . .

وإن تصور الأمر على هذا النحو ليوقظ القلب إلى :

تدبر هذا الكون بحس جديد , وأسلوب جديد

. وإن القلب الذي يستشعر يد الله وعينه على كل شيء بمثل هذه الدقة

ليصعب أن ينسى أو يغفل أو يضل .

وهو حيثما تلفت وجد يد الله . ووجد عين الله . ووجد عناية الله

, ووجد قدرة الله , متمثلة ومتعلقة بكل شيء في هذا الوجود .

وهكذا يصنع القرآن القلوب !

***

.. الصورة الثـالثة :

)وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ

وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ

إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

(لقمان:27)

تختم هذه الجولة بمشهد كوني يرمز إلى غنى الله الذي لا ينفد ,

وعلمه الذي لا يحد , وقدرته على الخلق والتكوين المتجددين بغير ما نهاية ,

ومشيئته المطلقة التي لا نهاية لما تريد:

ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام , والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ,

ما نفدت كلمات الله . إن الله عزيز حكيم .

ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة . إن الله سميع بصير . .

إنه مشهد منتزع من معلومات البشر ومشاهداتهم المحدودة ,

ليقرب إلى تصورهم معنى تجدد المشيئة الذي ليس له حدود ;

والذي لا يكاد تصورهم البشري يدركه بغير هذا التجسيم والتمثيل .

إن البشر يكتبون علمهم , ويسجلون قولهم , ويمضون أوامرهم ,

عن طريق كتابتها بأقلام - كانت تتخذ من الغاب والبوص –

يمدونها بمداد من الحبر ونحوه .

لا يزيد هذا الحبر على ملء دواة أو ملء زجاجة !

فها هو ذا يمثل لهم أن جميع ما في الأرض من شجر تحول أقلاما .

و جميع ما في الأرض من بحر تحول مدادا .

بل إن هذا البحر أمدته سبعة أبحر كذلك . .

وجلس الكتاب يسجلون كلمات الله المتجددة , الدالة على علمه ,

المعبرة عن مشيئته . . فماذا ? لقد نفدت الأقلام ونفد المداد .

نفدت الأشجار ونفدت البحار .

. و كلمات الله باقية لم تنفد , ولم تأت لها نهاية . .

إنه المحدود يواجه غير المحدود . ومهما يبلغ المحدود فسينتهي ;

ويبقى غير المحدود لم ينقص شيئا على الإطلاق

. . إن كلمات الله لا تنفد , لأن علمه لا يحد , ولأن إرادته لا تكف ,

ولأن مشيئته - سبحانه - ماضية ليس لها حدود ولا قيود .

وتتوارى الأشجار والبحار , وتنزوي الأحياء والأشياء ;

وتتوارى الأشكال والأحوال

. ويقف القلب البشري خاشعا أمام جلال الخالق الباقي

الذي لا يتحول ولا يتبدل ولا يغيب

; وأمام قدرة الخالق القوي المدبر الحكيم: إن الله عزيز حكيم . .

وأمام هذا المشهد الخاشع يلقي بالإيقاع الأخير في هذه الجولة ;

متخذا من ذلك المشهد دليلا كونيا على يسر الخلق وسهولة البعث:

( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة . إن الله سميع بصير). .

والإرادة التي تخلق بمجرد توجه المشيئة إلى الخلق ,

يستوي عندها الواحد والكثير ; فهي لا تبذل جهدا محدودا في خلق كل فرد ,

ولا تكرر الجهد مع كل فرد .

وعندئذ يستوي خلق الواحد و خلق الملايين .

وبعث النفس الواحدة وبعث الملايين .

إنما هي الكلمة . هي المشيئة:

(إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون). .

ومع القدرة : العلم والخبرة مصاحبين للخلق والبعث وما وراءهما

من حساب وجزاء دقيق: ( إن الله سميع بصير). .

***




كتبها بو عبدالرحمن