وكل حي مزود كذلك بالخصائص والوسائل التي يحصل بها على طعامه ,
والتي ينتفع معها بهذا اللون من الطعام . .
الأنسان والحيوان والطير وأدنأ أنواع الأحياء سواء . .
البويضة بعد تلقيحها بالحيوان المنوي تلصق بالرحم .
وهي مزودة بخاصية أكالة , تمزق جدار الرحم حولها وتحوله
إلى بركة من الدم المناسب لامتصاصها ونموها !
والحبل السري الذي يربط الجنين بأمه ليتغذى منها حتى يتم وضعه ,
روعي في تكوينه ما يحقق الغرض الذي تكون من أجله ,
دون إطالة قد تسبب تخمر الغذاء فيه , أو قصر قد يؤدي
إلى اندفاع الغذاء اليه بما قد يؤذيه" .
والثدي يفرز في نهاية الحمل وبدء الوضع سائلا أبيض
مائلا إلى الاصفرار . ومن عجيب صنع الله أن هذا السائل عبارة عن :
مواد كيماوية ذائبة تقي الطفل من عدوى الأمراض
. وفي اليوم التالي للميلاد يبدأ اللبن في التكوين .
ومن تدبير المدبر الأعظم أن يزداد مقدار اللبن الذي يفرزه الثدي
يوما بعد يوم , حتى يصل إلى حوالي ليتر ونصف في اليوم بعد سنة ,
بينما لا تزيد كميته في الأيام الأولى على بضع أوقيات
ولا يقف الإعجاز عند كمية اللبن التي تزيد على حسب زيادة الطفل ;
بل إن تركيب اللبن كذلك تتغير مكوناته , وتتركز مواده ,
فهو يكاد يكون ماء به القليل من النشويات والسكريات في أول الأمر ,
ثم تتركز مكوناته فتزيد نسبته النشوية والسكرية والدهنية فترة بعد أخرى
بل يوما بعد يوم بما يوافق أنسجة وأجهزة الطفل المستمر النمو.
وتتبع الأجهزة المختلفة في تكوين الإنسان , ووظائفها , وطريقة عملها ,
ودور كل منها في المحافظة على حياته وصحته . .
يكشف عن العجب العجاب في دقة التقدير وكمال التدبير .
ويرينا يد الله وهي تدبر أمر كل فرد . بل كل عضو .
بل كل خلية من خلاياه . وعين الله عليه تكلؤه وترعاه .
***
ولن نستطيع هنا أن نفصل هذه العجائب فنكتفي بإشارة سريعة
إلى التقدير الدقيق في جهاز واحد من هذه الأجهزة:
جهاز الغدد الصم "تلك المعامل الكيماوية الصغيرة التي تمد الجسم
بالتركيبات الكيماوية الضرورية , والتي يبلغ من قوتها أن
جزءا من ألف بليون جزء منها تحدث آثارا خطيرة في جسم الإنسان .
وهي مرتبة بحيث أن إفراز كل غدة يكمل إفراز الغدة الأخرى .
وكل ما كان يعرف عن هذه الإفرازات أنها معقدة التركيب تعقيدا مدهشا
وأن أي اختلال في إفرازها يسبب تلفا عاما في الجسم يبلغ حد الخطورة .
إذا دام هذا الاختلال وقتا قصيرا .
***
أما الحيوان فتختلف أجهزته باختلاف أنواعه وبيئاته وملابسات حياته . .
زودت أفواه الآساد والنمور والذئاب والضباع , وكل الحيوانات الكاسرة
التي تعيش في الفلاة , ولا غذاء لها إلا ما تفترسه من كائنات
لا بد من مهاجمتها , والتغلب عليها , بأنياب قاطعة , وأسنان حادة ,
وأضراس صلبة !
ولما كانت في هجومها لا بد أن تستعمل عضلاتها ,
فلأرجلها عضلات قوية , سلحت بأظافر ومخالب حادة ,
وحوت معدتها الأحماض والأنزيمات الهاضمة للحوم والعظام .
فأما الحيوانات المجترة المستأنسة التي تعيش على المراعي ,
فهي تختلف فيما زودت به .
وقد صممت أجهزتها الهاضمة بما يتناسب مع البيئة ,
فأفواهها واسعة نسبيا ; وقد تجردت من الأنياب القوية
والأضراس الصلبة . وبدلا منها توجد الأسنان
التي تتميز بأنها قاصمة قاطعة ;
فهي تأكل الحشائش والنباتات بسرعة , وتبتلعها كذلك دفعة واحدة
حتى يمكنها أن تؤدي للإنسان ما خلقت لأجله من خدمات .
وقد أوجدت العناية الخالقة لهذا الصنف أعجب أجهزة للهضم ,
فالطعام الذي تأكله ينزل إلى الكرش , وهو مخزن له ,
فإذا ما انتهى عمل الحيوان اليومي وجلس للراحة , يذهب الطعام
إلى تجويف يسمى [ القلنسوة ] . ثم يرجع إلى الفم , فيمضغ ثانية
مضغا جيدا , حيث يذهب إلى تجويف ثالث يسمى [ أم التلافيف ] ,
ثم إلى رابع يسمى [ الإنفحة ] وكل هذه العملية الطويلة
أعدت لحماية الحيوان , إذ كثيرا ما يكون هدفا لهجوم حيوانات كاسرة
في المراعي , فوجب عليه أن يحصل على غذائه بسرعة ويختفي .
ويقول العلم إن عملية الاجترار ضرورية بل وحيوية
إذ أن العشب من النباتات العسرة الهضم ,
لما يحتويه من السليلوز الذي يغلف جميع الخلايا النباتية ,
ولهضمه يحتاج الحيوان إلى وقت طويل جدا , فلو لم يكن مجترا
وبمعدته مخزن خاص , لضاع وقت طويل في الرعي ,
يكاد يكون يوما بأكمله , دون أن يحصل الحيوان على كفايته من الغذاء ,
ولأجهد العضلات في عمليات التناول والمضغ . إنما سرعة الأكل ,
ثم تخزينه وإعادته بعد أن يصيب شيئا من التخمر ,
ليبدأ المضغ والطحن والبلع , تحقق كافة أغراض الحيوان
من عمل وغذاء وحسن هضم . فسبحان المدبر .
والطيور الجارحة كالبوم والحدأة ذات منقار مقوس حاد
على شكل خطاف لتمزيق اللحوم
. بينما للإوز والبط مناقير عريضة منبسطة مفلطحة كالمغرفة ,
توائم البحث عن الغذاء في الطين والماء . وعلى جانب المنقارزوائد صغيرة
كالأسنان لتساعد على قطع الحشائش .
أما الدجاج والحمام وباقي الطيور التي تلتقط الحب من الأرض
فمناقيرها قصيرة مدببة لتؤدي هذا الغرض .
بينما منقار البجعة مثلا طويل طولا ملحوظا ,
ويمتد من أسفله كيس يشبه الجراب ليكون كشبكة الصياد .
إذ أن السمك هو غذاء البجعة الأساسي .
ومنقار الهدهد وأبو قردان طويل مدبب ,
أعد بإتقان للبحث عن الحشرات والديدان , التي غالبا ما تكون
تحت سطح الأرض . ويقول العلم:
إنه يمكن للإنسان أن يعرف غذاء أي طير من النظرة العابرة إلى منقاره .
أما باقي الجهاز الهضمي للطير فهو غريب عجيب .
فلما لم يعط أسنانا فقد خلقت له حوصلة وقانصة تهضم الطعام .
ويلتقط الطير مواد صلبة وحصى لتساعد القانصة على هضم الطعام
***