مختارات ( في ظلال القرآن ) كل شيء بقدر
أرجو منك قراءة هذه الكلمات المشرقة بعناية شديدة
وأحسب أنك ستجد مباشرة أنوار إيمان تنقدح في قلبك بوضوح..
- - -- - - - -- - -
)إنا كل شيء خلقناه بقدر(
كل شيء . . كل صغير وكل كبير . كل ناطق وكل صامت .
كل متحرك وكل ساكن . كل ماض وكل حاضر . كل معلوم وكل مجهول ..
كل شيء . . كل شيء خلقناه بقدر . .
قدر يحدد حقيقته . ويحدد صفته . ويحدد مقداره . ويحدد زمانه ..
ويحدد مكانه . ويحدد ارتباطه بسائر ما حوله من أشياء . وتأثيره في كيان هذا الوجود .
وإن هذا النص القرآني القصير اليسير ليشير إلى :
حقيقة ضخمة هائلة شاملة , مصداقها هذا الوجود كله .
حقيقة يدركها القلب جملة وهو يواجه هذا الوجود , ويتجاوب معه ,
ويتلقى عنه , ويحس أنه خليقة متناسقة تناسقا دقيقا ..
كل شيء فيه بقدر يحقق هذا التناسق المطلق الذي ينطبع ظله في القلب جملة وهو يواجه هذا الوجود .
ثم يبلغ البحث والرؤية والتجربة من إدراك هذه الحقيقة
القدر الذي تهيئه هذه الوسائل , ويطيقه العقل البشري , ويملك معرفته عن هذا الطريق ..
. ووراء هذا القدر يبقى دائما ما هو أعظم وأكمل ,
تدركه الفطرة وينطبع فيها بتأثير الإيقاع الكوني المتناسق فيها ,
وهي ذاتها بعض هذا الكون المتناسق المخلوق كل شيء فيه بقدر .
ولقد وصل العلم الحديث إلى أطراف من هذه الحقيقة , فيما يملك أن يدركه منها بوسائله المهيئة له . .
وصل في إدراك التناسق بين أبعاد النجوم والكواكب وأحجامها
وكتلها وجاذبيتها بعضها لبعض إلى حد أن يحدد العلماء
مواقع كواكب لم يروها بعد ; لأن التناسق يقتضي وجودها في المواضع
التي حددوها . فوجودها في هذه المواقع هو الذي يفسر ظواهر معينة
في حركة الكواكب التي رصدوها . . ثم يتحقق هذا الذي فرضوه .
ويدل تحقيقه على الدقة المتناهية في توزيع هذه الأجرام ,
في هذا الفضاء الهائل , بهذه النسب المقدرة , التي لا يتناولها خلل أو اضطراب !
ووصل في إدراك التناسق في وضع هذه الأرض التي نعيش عليها ,
لتكون صالحة لنوع الحياة التي قدر الله أن تكون فيها
إلى حد أن افتراض أي اختلال في أية نسبة من نسبها
يودي بهذه الحياة كلها , أو لا يسمح أصلا بقيامها .
فحجم هذه الأرض , وكتلتها , وبعدها عن الشمس . وكتلة هذه الشمس , ودرجة حرارتها .
وميل الأرض على محورها بهذا القدر , وسرعتها في دورتها
حول نفسها وحول الشمس . وبعد القمر عن الأرض . وحجمه وكتلته وتوزيع الماء واليابس في هذه الأرض . . .
إلى آلاف من هذه النسب المقدرة تقديرا , لو وقع الاختلال
في أي منها لتبدل كل شيء ; ولكانت هي النهاية المقدرة لعمر هذه الحياة على هذه الأرض !!
ووصل في إدراك التناسق بين عدد كبير من الضوابط
التي تضبط الحياة ; وتنسق بين الأحياء والظروف المحيطة بها ; وبين بعضها وبعض ..
إلى حد يعطي فكرة عن تلك الحقيقة العميقة الكبيرة
= = =