عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2008-05-15, 1:25 AM
يمامة الوادي
عضو متميز بالمنتدى
الصورة الرمزية يمامة الوادي
رقم العضوية : 7644
تاريخ التسجيل : 19 - 6 - 2005
عدد المشاركات : 43,494

غير متواجد
 
افتراضي ( متاعب الحياة ... وجرعة دواء مركزة !! )
( متاعب الحياة ... وجرعة دواء مركزة !! )


- - - - - - - - - - - - - - - -
وتبقى حركة الدنيا تدور ، ودولاب الحياة لا يتوقف ..
وهموم الإنسان اليومية ، هي الزاد الذي يطحنه طحن الرحى ،
فتضيع عليه حلاوة يومه وليلته ، وتتبدد قواه ، وتخور آماله ،

وبسبب ذلك يعيش فريق من الناس أشبه بالحيارى أو السكارى ،
تجده هائم الوجهة ، لا يكاد يعرف له قبلة يتجه بخطى مسددة إليها ،
فلا عجب أن نراه يستفرغ غضبه كله ، فوق رؤوس زوجه وأولاده ،
مع أنهم أحوج ما يكونون إلى هدوء أعصابه ،
ليتعلموا منه ، ويقتدوا به ، ويستضيئوا بأفكاره ، غير أنه يشعر في قرارة نفسه ،
أنه قد تحطّم قبل أن يضع قدميه على عتبة داره ،
فدخل عليهم بعد أن أصبح نصف رجل ، بنصف عقل !!

هموم الحياة الطاحنة ، لاسيما في زمن مُـتعِـب كهذا العصر الذي نعيش فيه ،
بطلباته المتعددة التي نركض وراءها، ولا نكاد نحصل منها إلا قبض الريح ،
وواجباته الكثيرة التي تحاول جاهداً أن توفي بعضها ،
فلا يكاد يخرج بين يديك منها عمل متكامل يريح ضميرك ،ويرضي الآخرين عنك ،
ورغباته المحمومة التي يهيجك إليها ما تراه وما تسمعه ، فلا تملك إلا أن تقلّب عينيك في السماء
وقد فلتت منك أعصابك ، وتشتت قواك ، وحار دليلك ..!

وبسبب من هذا كله تتولد لدى كثيرين مشاعر إحباط شديدة تقود إلى دوائر يأس قاتل ،
وكآبة تتحطم لها النفس فيموت الإنسان موتات قبل أن يأتيه الموت رسمياً !!

بسبب هذا ونحوه أيضا :
أقبل كثيرون على التهام كتب علم النفس ، أو المسارعة في الالتحاق بدورات متنوعة ،
لعلهم يجدون فيها حلاً لهذه المعضلة ،
فإذا هي تحدثهم بشيء من الإسهاب والتركيز عن :
ضرورة أن يستقطع الإنسان العاقل من يومه ساعة كاملة أو قريباً منها ،
ينخلع فيها عن جميع أفكاره ، ويخلو إلى نفسه ،
فيغمض عينيه ليذهب في عملية تركيز على شيء _ أي شيء _ قد لا يكون ذا بال ولا أهمية ،
فيجمع حواسه كلها ليصبها في ذلك الشيء ، ويذهب محلّقاً معه وحده إلى أبعد ما يمكن السفر إليه بخياله !!
ويزعم هؤلاء أن هذه الساعة على هذا النحو – أو شيء قريب منه مشابه له –
يزعمون أن هذه الساعة كفيلة بأن تحقق للإنسان الراحة النفسية المنشودة ،

يقول أحدهم في كتاب ألفه لهذه القضية :
هذا التركيز – غير النافع فيما يبدو – هو الذي يحقق الراحة لكل قواك الجسمية والعقلية
، بشرط واحد : هو أن تكرر ذلك كثيراً ، وبانتظام ، وفي إصرار ، وبلا ملل ،
وبمجهود قد يشق عليك في البداية ، غير أنك تصبح تؤديه بلا مجهود بعد ذلك ..

والذي نقوله جازمين واثقين :
لماذا لا يعتمد الإنسان الخطة النبوية ،والوصفة الربانية ، للوصول إلى آفاق أبعد مدى
من هذا الذي يزعمونه في مسألة الراحة النفسية ،؟
لماذا تجد كثيرين منا وفينا يلتزمون حرفياً وبكل دقة ، بما يوصيهم به طبيب متخصص ، جاءوا لاستشارته ،
ثم أنت تجدهم يتفلتون ويعرضون من كل وصية يرشدهم إليها نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم ،
مع أنه لا ينطق إلا عن وحي خالص ؟

ترى ماذا جاء في الوصفة النبوية في هذا الشأن ؟ الكثير الكثير ،
ومن هذا الكثير:

يخبرنا صلى الله عليه وسلم أنّ من صلى الفجر في جماعة ثم جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس ،
فله أجر حجة وعمرة تامتين تامتين .

وهو كما ترى ، أجر يسيل له لعاب عشاق الجنة ، والطامحين لتحصيل مرضاة الله عنهم .
خلال هذه الجلسة الصباحية والتي تشهد فيها ولادة النهار شيئاً فشيئا
والتي قد تستغرق الساعة ونحوها – يمكنك أن تمارس ألواناً من الطاعات :

فكرة عميقة ، وذكر كثير ، وتلاوة معطرة ، وتأمل مستغرق ،
وكل ذلك إذا أحسنت السير فيه ، وجمعت فكرك معه ، واستحضرت قلبك خلاله ،
لابد أن يخلعك خلعاً من كل همومك لتجد نفسك وقد ولجت عوالم كثيرة ،
وانتقلت إلى آفاق واسعة رحبة ، تفيض عليك خيراً وبركة ونما ..

هل قليل أن تستقطع من تلك الساعة جزءً منها في التفكر الهادئ العميق في
التعرف على معاني أسماء الله الحسنى ، وتدبرها ، وملاحظة آثارها في واقع حياة الناس ؟

هل قليل أن تدير فكرك كله في الوصول إلى حقيقة هذه الدنيا وحجمها وعمرها ،
ثم الانتقال للوقوف على أهوال الآخرة وما وعد الله فيها للأبرار ، وما توعد به الأشرار ..؟
هل قليل أن تمضي مستغرقاً في التفكير في صفات الجنة ولذائذها ، ودوام نعيمها ، وصفات أهلها ،
ثم الانتقال بفكرك لتطل إطلالة على النار وأهوالها ..؟

هل قليل أن تسبح سباحة مركزة مع ذكر الله تعالى ،لتدخل أجواء الملائكة وتشاركهم
هذا النشيد الذي هو طعامهم وشرابهم وحياة حياتهم ؟
هل قليل أن تقرر الإبحار مع آيات الله تعالى متأملاً في معانيها ، متدبراً ما وراء حروفها ،
محاسباً نفسك على ضوئها ؟

هل قليل أن تبقى رافعاً أكف الضراعة والاسترحام والافتقار بين يدي الله مناجياً إياه
مبتهلاً إليه ، منكسراً على أعتابه ، مثنياً عليه بما هو أهله ،
ليصب على قلبك في تلك الساعة فيض أنوار تجدها تهزك هزاً ، حتى لا تملك معها دموع عينيك من الاسترسال .؟

يكفي أن تتأمل هذا الحديث القدسي ، حتى يتشرب قلبك معانيه :
يقول الحق تبارك وتعالى :
( أنا جليس من ذكرني )
وفي رواية : ( وأنا معه إذا ذكرني )

ففي تلك الساعة تكون أنت في معية خاصة بين يدي الله جل جلاله ،
في الوقت الذي آثر أكثر الخلق البقاء تحت الغطاء ريثما تطلع الشمس ،
لتوقظهم فيهرولون في جنون إلى أعمالهم ، ثم يشتكون من ضغط الحياة !!!

إذا لم تستطع أن تحقق ذلك بعد صلاة الفجر ،
فما الذي يمنعك أن تحققه في أي وقت يتاح لك في يومك أو ليلتك ؟
ودعك من أوهام فلاسفة الشرق أو الغرب ..
فما خاب والله من عامل الله بصدق .. لقد قالوا وصدقوا :
عامل الله ،وأبشر بخير .... بل بكل خير ..!

ودعك من هرطقات الذين يدنوندن بعيداً عن مركز الدائرة !!






كتبها بو عبدالرحمن