عرض مشاركة واحدة
  رقم المشاركة : [ 1  ]
قديم 2015-05-10, 8:01 AM
البركة سليمان
مشرفة سابقة منتدى الشؤون الأسرية والمشكلات النفسية والاجتماعية
رقم العضوية : 188581
تاريخ التسجيل : 30 - 1 - 2014
عدد المشاركات : 6,158

غير متواجد
 
افتراضي الذكاء الكوني ومفاتيح السعادة


سأعمل على إضعاف (الأنا) التي زيفت لي حقيقة الكون والحياة من حولي وأوهمتني أني منفصل عن كل من حولي، سأحب لغيري ما أحب لنفسي في قولي وفي فعلي، وأن أكون بما في يد الله أوثق مني بما في يدي
تحدثنا في مقال سابق عن الذكاء الكوني، وتساءلنا عن سبب حرماننا أنفسنا فسحة ونعمة أن نصبح جزءاً من النظام والذكاء الكوني والتدبير الإلهي، وعرفنا أنها الأنا التي فينا هي التي تفعل ذلك بتماهيها مع الأفكار.
إن العقل أداة رائعة للتفكير المنطقي وإيجاد الحلول، ولكن المشكلة هي أن يعتقد الإنسان أنه هو هذه الأفكار، وأن يُعرِّفَ نفسه من خلال هذه الأفكار فتصبح هويته، فيقولب نفسه في إطار وحدود هذه الأفكار، أن يظن أن العالم من حوله يمكن أن يُفهم بشموليته بالعقل وحده.

نعم العقل أداة فعالة، ولكنها يجب أن تبقى خادمة للذات الحقيقية، للمصدر، لروح الإنسان، فالعقل لا يعدو أن يكون انعكاساً لهذا المصدر، وبالتماهي مع الأفكار والعقل ينقلب الخادم ليصبح سيداً، ويبدأ العقل في تجزئة الحياة، هذا لي وهذا لك، إنه الانفصال الذي تحبه الأنا وتعيش عليه.

إن قدرة كل شيء على أن يتواصل مع كل شيء في الكون هي ما تجعل الكون أعقد من أن يفهمه العقل ويتوقع ردود أفعاله، وهذه الحقيقة العلمية التي ارتبطت بنظرية سميت بنظرية التناقض (EPR) نسبة إلى الحروف الأولى الثلاثة للعلماء أينشتاين وبودولسكي وروزن، وأثبتها (Alain Aspect) ألين أسبيكت وفريق من الباحثين من جامعة باريس عام 1982، والتي تعد واحدة من أهم التجارب في القرن العشرين، والتي مفادها أنه تحت ظروف معينة فإن الجسيمات دون الذرية مثل الإلكترونات قادرة على الاتصال فيما بينها آنياً والتأثير على بعضها بعضاً بغض النظر عن المسافة التي تفصل بينهما سواء كانت 1 سم أو آلاف الأميال، وكل شيء في الكون مكون من جسيمات دون الذرية بما فيها الإنسان.

مئات الدراسات تؤكد أنه في حالة توفر أساسيات الحياة، فإن أي زيادة في الدخل المادي لا تؤدي إلى سعادة أكبر، بل دراسات عديدة تؤكد أن المادة يمكن أن تسهم في سعادة أكبر وصحة فقط في حالة التبرع بها لإسعاد الآخرين.
في دراسة (Journal of Consumer Psychology) نشرت في 21 مارس 2011، قام بها كل من (Elizabeth W. Dunn) و(Daniel T. Gilbert) و(Timothy D. Wilson)، وجد أن الأشخاص الذين يملكون مالاً أكثر يشعرون برضا أكبر، ولكن عندما سئلوا هل هم سعداء في هذه اللحظة، وجد أنهم ليسوا أسعد من الذين لا يملكون المال، وهذا يشير إلى أن المال يزيد إحساسنا بالرضا عندما نفكر فيه، ولكن ليس عندما نستخدمه، وهذا لا بد ألا يحدث، إذًا المشكلة هي في الإنسان الذي لم يشتر بالمال ما يجلب له السعادة الحقيقية، وتقترح الدراسة أن على علماء النفس أن يعلموا الناس كيف ينفقون أموالهم في الأشياء التي تجلب لهم السعادة.

وتؤكد دراسات أخرى عديدة أنك إذا أردت سعادتك وصحتك فلا تغرق نفسك في الماديات، وإنما ساهم في إسعاد غيرك، هذا وأثبتت دراسات مدعومة بتطبيقات عملية لشركات كبيرة أنه على قدر اهتمام الشركات والمؤسسات ببرامج المسؤولية الاجتماعية، على قدر زيادة أرباحها السنوية.

هذا المنطق الكوني لا يمكن للـ(أنا) أن تفهمه، ولا للعقل المتجرد أن يدركه، لن تفهم (الأنا) قوله صلى الله عليه وسلم: (ما نقص مال من صدقة). فهذا لا يدرك إلا بالوعي وبالذات الحقيقية للإنسان وبالروح، ما تراه (الأنا) نقصاً هو في الحقيقة زيادة، وما تراه ضعفاً هو في الحقيقة قوة، وما قد تراه (الأنا) فناءً هو في الحقيقة بقاء.

إنها العقبة في قوله تعالى: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ومَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ). (الأنا) هي عقبتك التي تحتاج أن تقتحمها، فهي تقف أمامك عائقاً تحول بينك وبين أن تخرج إلى منفعة غيرك من تحرير وإطعام ليتيم أو مسكين. أن تصبح قضيتك ورسالتك بل وحياتك كلها خارج (الأنا).

استحضرت قصة السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها عندما ذبحت شاة ثم قسمتها فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فسألها كم بقي من الشاة، فقالت ذهبت كلها إلا كتفها، فقال صلى الله عليه وسلم بل قولي بقيت كلها إلا كتفها.
ابتسمت وقد تذكرت المثل المتداول بين الناس فقد بدا لي منه الآن بُعداً غير الذي كنت أسمعه به (اعمل الخير وألق به في البحر)، نعم هكذا يعمل الكون من حولك وستعمل الرياح والأمواج بأمر الله معك لتعيده لك بصورة أو بأخرى ولن يضيع صنيع الخير، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (قال الله: أَنْفِق يا ابن آدم أُنْفِق عليك).
إنه بحق كون مترابط لا عشوائية فيه ولا شيء يحدث مفرداً، نظام خارج إدراك عقل الإنسان.

قررت أن أدخل في كنف هذا النظام الكوني الذكي والتدبير الإلهي وأخرج من الأنا التي فيًّ، ألا أدعها تحجبني في نطاق محدودية الذكاء العقلي، سأعمل على إضعاف (الأنا) التي زيفت لي حقيقة الكون والحياة من حولي وأوهمتني أني منفصل عن كل من حولي، سأحب لغيري ما أحب لنفسي في قولي وفي فعلي، وأن أكون بما في يد الله أوثق مني بما في يدي، وإنني على يقين بأننا على قدر ما نفعل، على قدر ما سنجد النظام الكوني من حولنا يعمل بنا ومعنا ولنا.

إنه الخروج من محدودية عالم الأخذ بالأسباب في قوله تعالى: (كُلا نُّمِدُّ هَـٰؤُلاءِ وَهَـٰؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) والتي يستوي فيها الجميع المؤمن والكافر، الملتزم والعاصي، كلٌ على قدر أخذه بالأسباب التي وضعها الله للعباد.
نعم الخروج من محدودية الأخذ بالأسباب والدخول في لا محدودية العطاء في قوله تعالى: (يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ‏) بحسن الأخذ بالأسباب عبادة، والتعلق بخالق العباد ورب الأسباب.

مقال لوليد فتيحي


توقيع البركة سليمان
شكــــــــــــــــــــــــرا لك وقفة محاكاة على التصميم والكلمات المعبره، وربنا يعافيك ويعافي من تحبين من كل شر.
https://www.youtube.com/embed/gOht2y7fZWA?ecver=2

تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها