سياسة قلب الطاولة (2)
تابــع ...
والآن جئنا إلى المهم :
بينما كان الثالث متجها إلى المسجد يمشي بهدوء وتريث ..
سمع صوتا ، فالتفت فرأى قاطع الطريق
وهو يشير إليه ليتوقف كي يكلمه
لكن صاحبنا بمجرد أن وقع نظره عليه ، شمر وركض جهة المسجد ،
ولم يسمح لنفسه أن يتكلم معه ، لأنه يعرف غايته ..
ومن ثم وصل إلى المسجد ، فإذا المؤذن يشرع للتو في الأذان
فتابع المؤذن .. وصلى النافلة .. وجلس يذكر الله ويتلو القرآن ويدعو ويتفكر ..
ثم صلى مع الجماعة في الصف الأول خاشعا يلهج بالثناء والشكر لله ..
والآن .
في اليوم التالي ماذا سيكون موقف قاطع الطريق ؟
ترى سيركز على من وسيترك من ؟؟
غاية قاطع الطريق أن يحول بين هؤلاء وبين الصلاة
ولكن الثالث انقلب الأمر معه
وبدلا من أن يمشي هوينا هوينا إلى المسجد
تسبب صوت قاطع الطريق في أنه يهرول إلى المسجد
ومن ثم لم يتحقق هدف قاطع الطريق بل انقلب السحر على الساحر !!!
فأصبح كأنه عامل مساعد لهذا الذكي ..
وكأنه دفعه دفعا ليهرول إلى المسجد وقد كان يمشي ببطء
إذن سيركز على الأول والثاني.. وخاصة الخائب الأول ..!
الذي أصغى إليه وناقشه ودخل معه في صراع الأيدي والأضراس !!
فضاعت عليه الصلاة بكلها ولم يتحصل حتى على جماعة أخرى
قال بعض العلماء هذه القصة الإشارة إليها في قوله تعالى
( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)
بمجرد أن مسهم طائف من الشيطان .......
تذكروا أنه الشيطان وأنه لا يريد بهم الخير .....
فإذا هم مبصرون فيشمرون لعمل خير أكبر ..
وهذه من أهم صفات المتقين ..
والآن ... نخرج بالفائدة العملية
التي نرغب أن نحققها ونجاهد أنفسنا على تحقيقيها
الشيطان ( قاطع طريق ) يتربص بنا عند مفارق الطرق ، وعلينا أن نحذر ..
فإذا أحسسنا بوسوسته .. واتضحت لنا فعلينا أن نقلب الأمر
فنعمل بعكس ما يشير به علينا ونزيد من نشاطنا في الطاعات
ولا أقل من أن نفزع للصلاة ولو ركعتين
أو نفزع للصدقة لو كنا نمشي في شارع
أو نفزع إلى القرآن لو كنا في مقر عملنا
أو نفزع إلى التضرع والمناجاة والدعاء
ونحو هذا من الطاعات المتنوعة ..وهذا ما اسميه
( بسياسة قلب الطاولة ! )
بل علينا أن كنا أذكياء أن نبحث عن عمل له مردوده الأكبر وأجره الأعظم
وليس أول عمل يخطر على أذهاننا ، ونحن قادرون على غيره ..
وان كان أي عمل أيضا طيب ولا حرج فيه ..
ولكن تعلمنا من سيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنهم كانوا يسألونه دائما عن ( أحب العمل إلى الله ) و ( أفضل العمل )
لاحظ : أحب _ أفضل
هذا الكلام يُعتبر خطوة متقدمة على الطريق ..
ومن استوعبه وجاهد نفسه عليه فإنه يكون قد قطع أشواطا في الطريق
وإلا فإن الحديث عن الخطأ والزلة والوقوع في المعصية .
حديث طويل والكلام فيه ذو شجون ..
( ولعل لنا عودة إليه بعون الله )
أما هذا الكلام فهو ( كيف تصبح وسوسة الشيطان ) عامل دفع إلى الخير ؟؟
أو بعبارة أخرى:
كيف تصبح الزلة .. عامل إصرار على مزيد من العمل للتعويض ..
ولهذا قال بعض العلماء كلاما عجيبا وهو يبحث عن حكمة خلق الشيطان
طبعا هناك حكم كثيرة ...ولكنه التفت إلى حكمة في غاية الروعة
وهي حكمة عجيبة للغاية كلامنا يدندن حولها ..
قال : إنما سلط الله الشيطان عليك ... ليحوشك به إليه !!!
تأملوا هذه العبارة فإنها في غاية الروعة
لشدة خوفك من الشيطان .. اجعله وسيلة لفرارك إلى الله
( ففروا إلى الله )
فكلما وسوس إليك بمعصية ، بادر أنت بعمل طاعة
وحتى لو تمكن منك فوقعت في تلك المعصية وتلطخت بها ..
قل لنفسك " طيييييييييييب غلبك الشيطان أيتها الغبية في هذه الجولة
... يا خيبتك والله ..!!
ثم شمر لعمل طاعة مضاعفة تعوض بها ما فاتك أثناء زلتك ..
وابق على هذا الحال .. مجاهدا لنفسك :
تحذر وتخاف وترجو .. فإذا وسوس لك الشيطان بمعصية :
فافزع إلى طاعة
وبادر بعمل خير مما يتيسر بين يديك ..
فإذا نجح اللعين فأوقعك في وحل المعصية .. فلا تيأس
( إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)
بل صمم وشمر لعمل طاعة مضاعفة لتعوض ما فاتك ..
وبالله التوفيق .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك
كتبها بو عبدالرحمن